للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث / الرقم المسلسل:

يعني أنه وقع في خاطره من تكذيب النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- في تحسينه لشأنهما ما لم يقع له مثله في الإسلام ولا في الجاهليّة.

فلفظ "سَقَطَ" من السقوط بمعنى الوقوع، وهو مبنيّ للفاعل، والفاعل محذوفٌ، وحذف الفاعل المعلوم جائز عند بعض النحاة (١)، ويَحْتَمِل أن يكون مبنيًّا للمفعول، والنائب عن الفاعل الجارّ والمجرور، واللَّه تعالى أعلم.

وقال القاضي عياض -رَحِمَهُ اللَّهُ- في "المشارق": قوله: "فسُقِط في نفسي من التكذيب، ولا إذ كنت في الجاهلية"، كذا قيدناه عن شيوخنا "سُقِطَ" على ما لم يسم فاعله، ومعناه: تحيرت، يقال: "سُقِط في يده": إذا تحير في أمره، وقيل ذلك في قوله تعالى: {سُقِطَ فِي أَيْدِيهِمْ}، وقيل: نَدِمُوا. انتهى (٢).

وقال النوويّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: قوله: "فسقط في نفسي. . . إلخ" معناه: وَسْوَس لي الشيطان تكذيبًا للنبوة، أشدّ مما كنت عليه في الجاهلية؛ لأنه في الجاهلية كان غافلًا أو متشككًا، فوسوس له الشيطان الجزم بالتكذيب، فمعنى قوله: "سقط في نفسي" أنه اعْتَرَتْهُ حَيْرَةٌ، ودَهْشَةٌ. انتهى (٣).

وعبّر عن الخاطر المستعمل في المعاني بـ "سَقَطَ" المستعمل في الأجسام؛ إشعارًا بشدّة هذا الخاطر وثقله ووقوعه من غير اختيار.

ونقل القاري عن شُرّاح "المصابيح" ضبطهم "سُقِطَ" بصيغة المجهول، واستصوبه، وقال: إن لفظ "سُقِط" جاء في قوله تعالى: {وَلَمَّا سُقِطَ فِي أَيْدِيهِمْ} [الأعراف: ١٤٩] بالقراءة المتواترة على الضمّ، فتُحمَل رواية الحديث عليه مطابقة بينهما، ولا شكّ أن قوله تعالى: {فِي أَيْدِيهِمْ}، وقوله في الحديث: "في نفسي" بمعنى واحد؛ لأنه كثيرًا ما يُعبّر عن النفس بالأيدي، فالمعنى: ندِمتُ من تكذيبي وإنكاري قراءتهما نَدَامةً ما نَدِمتُ مثلها لا في الإسلام ولا إذ كنت في الجاهليّة. انتهى.


(١) هو مذهب الكسائيّ، أجازه مستدلًّا بحديث: "لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن، ولا يشرب الخمر حين يشربها، وهو مؤمن"، ونحو قوله تعالى: {كَلَّا إِذَا بَلَغَتِ التَّرَاقِيَ (٢٦)} الآية [القيامة: ٢٦]، ونحو قولهم: "إذا كان غدًا فأتني"، راجع: "حاشية الخضري على شرح ابن عقيل على الخلاصة" ١/ ٢٣٥ - ٢٣٦.
(٢) "مشارق الأنوار" ٢/ ٢٢٧.
(٣) "شرح النوويّ" ٦/ ١٠٢.