يهمز، قال: ولو أراد كل فريق منهم أن يزول عن لغته، وما جرى عليه لسانه طفلًا وناشئًا وكهلًا؛ لشقّ عليه غاية المشقة، فيسّر عليهم ذلك بمثّه، ولو كان المراد أن كل كلمة منه تقرأ على سبعة أوجه، لقال مثلًا: أنزل سبعة أحرف، وإنما المراد أن يأتي في الكلمة وجه، أو وجهان، أو ثلاثة، أو أكثر إلى سبعة.
وقال ابن عبد البرِّ: أنكر أكثر أهل العلم أن يكون معنى الأحرف اللغات؛ لما تقدم من اختلاف هشام وعمر، ولغتهما واحدة، قالوا: وإنما المعنى سبعة أوجه من المعاني المتفقة بالألفاظ المختلفة، نحو "أَقْبِلْ"، و"تَعَالَ"، و"هَلُمَّ"، ثم ساق الأحاديث الماضية الدالة على ذلك.
قال الحافظ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: ويمكن الجمع بين القولين بأن يكون المراد بالأحرف تغاير الألفاظ، مع اتفاق المعنى، مع انحصار ذلك في سبع لغات.
لكن لاختلاف القولين فائدة أخرى، وهي ما نَبَّهَ عليه أبو عمرو الدانيّ أن الأحرف السبعة ليست متفرقة في القرآن كلها، ولا موجودة فيه في ختمة واحدة، فإذا قرأ القارئ برواية واحدة، فإنما قرأ ببعض الأحرف السبعة، لا بكلها، وهذا إنما يأتي على القول بأن المراد بالأحرف اللغات، وأما قول من يقول بالقول الآخر، فيتأتى ذلك في ختمة واحدة بلا ريب، بل يمكن على ذلك القول أن تحصل الأوجه السبعة في بعض القرآن، كما تقدم.
وقد حَمَل ابن قتيبة وغيره العدد المذكور على الوجوه التي يقع بها التغاير في سبعة أشياء:
[الأول]: ما تتغير حركته، ولا يزول معناه، ولا صورته، مثل:{وَلَا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلَا شَهِيدٌ}[البقرة: ٢٨٢] بنصب الراء، ورفعها.
[الثاني]: ما يتغير بتغير الفعل، مثل:{بَاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا}[سبأ: ١٩]، و"باعَدَ بين أسفارنا" بصيغة الطلب، والفعل الماضي.
[الثالث]: ما يتغير بنقط بعض الحروف المهملة، مثل:{نُنْشِزُهَا}[البقرة: ٢٥٩] بالراء والزاي.
[الرابع]: ما يتغير بإبدال حرف قريب من مخرج الآخر، مثل: {وَطَلْحٍ مَنْضُودٍ (٢٩)} [الواقعة: ٢٩] في قراءة علي: و"طلع منضود".