وعلى هذا يُحْمَل ما كتب به عمر إلى ابن مسعود؛ لأن جميع اللغات بالنسبة لغير العربي مستوية في التعبير، فإذًا لا بد من واحدة، فلتكن بلغة النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، وأما العربي المجبول على لغته، فلو كلف قراءته بلغة قريش لعسر عليه التحول مع إباحة اللَّه له أن يقرأ بلغته، ويشير إلى هذا قوله في حديث أبيّ -رضي اللَّه عنه- كما تقدم:"هوّن على أمتي"، وقوله:"إن أمتي لا تطيق ذلك". وكأنه انتهى عند السبع لعلمه أنه لا تحتاج لفظة من ألفاظه إلى أكثر من ذلك العدد غالبًا، وليس المراد كما تقدم أن كل لفظة منه تقرأ منه على سبعة أوجه.
قال ابن عبد البرِّ: وهذا مجمع عليه، بل هو غير ممكن، بل لا يوجد في القرآن كلمة تقرأ على سبعة أوجه، إلا الشيء القليل، مثل {وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ}[المائدة: ٦٠].
وقد أنكر ابن قتيبة أن يكون في القرآن كلمة تقرأ على سبعة أوجه. ورَدَّ عليه ابنُ الأنباري بمثل {وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ}[المائدة: ٦٠]، {فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ}[الإسراء: ٢٣]، {وَجِبْرِيلَ}[البقرة: ٩٨].
ويدلّ على ما قرره أنه أنزل أوّلًا بلسان قريش، ثم سهّل على الأمة أن يقرؤوه بغير لسان قريش، وذلك بعد أن كثر دخول العرب في الإسلام، فقد ثبت أن ورود التخفيف بذلك كان بعد الهجرة، كما تقدم في حديث أبيّ بن كعب -رضي اللَّه عنه-: "أن جبريل لقي النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، وهو عند أضَاة بني غِفَار، فقال: إن اللَّه يأمرك أن تُقرِئ أمتك القرآن على حرف، فقال: أسأل اللَّه معافاته ومغفرته، فإن أمتي لا تطيق ذلك. . . " الحديث. أخرجه مسلم.
وحاصل ما ذهب إليه هؤلاء أن معنى قوله:"أنزل القرآن على سبعة أحرف"، أي أنزل موسعًا على القارئ أن يقرأه على سبعة أوجه، أي يقرأ بأي حرف أراد منها على البدل من صاحبه، كأنه قال: أنزل على هذا الشرط، أو على هذه التوسعة، وذلك لتسهيل قراءته، إذ لو أخذوا بأن يقرؤوه على حرف واحد لشق عليهم، كما تقدم.
قال ابن قتيبة -رَحِمَهُ اللَّهُ- في أول تفسير المشكل له: كان من تيسير اللَّه تعالى أن أمر نبيه -صلى اللَّه عليه وسلم- أن يُقرئ كل قوم بلغتهم، فالهذلي يقرأ "عَتَّى حين" يريد "حتى حين"، والأسدي يقرأ "تِعلَمون" بكسر أوله، والتميمي يهمز، والقرشي لا