للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث / الرقم المسلسل:

وقيل: نزل بلغة مضر خاصة، لقول عمر: نزل القرآن بلغة مضر. وعيّن بعضهم فيما حكاه ابن عبد البر السبع من مضر أنهم: هذيل، وكنانة، وقيس، وضَبَّة، وتيم الرباب، وأسد خزيمة، وقريش، فهذه قبائل مضر، تستوعب سبع لغات.

ونقل أبو شامة عن بعض الشيوخ أنه قال: أنزل القرآن أوّلًا بلسان قريش، ومن جاورهم من العرب الفصحاء، ثم أبيح للعرب أن يقرؤوه بلغاتهم التي جرت عادتهم باستعمالها على اختلافهم في الألفاظ والإعراب، ولم يُكَلَّف أحد منهم الانتقال من لغته إلى لغة أخرى للمشقة، ولِمَا كان فيهم من الحمية، ولطلب تسهيلِ فهمِ المرادِ، كل ذلك مع اتفاق المعنى، وعلى هذا يتنزل اختلافهم في القراءة، كما تقدم، وتصويب رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- كلًّا منهم.

قال الحافظ: وتَتِمَّةُ ذلك أن يقال: إن الإباحة المذكورة لم تقع بالتشهي، أي أن كل أحد يغير الكلمة بمرادفها في لغته، بل المراعى في ذلك السماع من النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، ويشير إلى ذلك قول كل من عمر وهشام في حديث الباب: أقرأني النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، لكن ثبت عن غير واحد من الصحابة أنه كان يقرأ بالمرادف، ولو لم يكن مسموعًا له، ومن ثم أنكر عمر على ابن مسعود قراءته "عتى حين" أي "حتى حين"، وكتب إليه: "إن القرآن لم ينزل بلغة هذيل، فأقرئ الناس لغة قريش، ولا تقرئهم بلغة هذيل"، وكان ذلك قبل أن يَجْمَع عثمانُ الناسَ على قراءة واحدة.

قال ابن عبد البر بعد أن أخرجه من طريق أبي داود بسنده: يَحْتَمِل أن يكون هذا من عمر على سبيل الاختيار، لا أن الذي قرأ به ابن مسعود لا يجوز، قال: وإذا أبيحت قراءته على سبعة أوجه أنزلت جاز الاختيار فيما أنزل.

قال أبو شامة: ويَحْتَمِل أن يكون مراد عمر، ثم عثمان بقولهما: "نزل بلسان قريش" أن ذلك كان أول نزوله، ثم إن اللَّه تعالى سهّله على الناس، فجوز لهم أن يقرؤوه على لغاتهم على أن لا يخرج ذلك عن لغات العرب، ليكون بلسان عربي مبين، فأما من أراد قراءته من غير العرب فالاختيار له أن يقرأه بلسان قريش؛ لأنه الأولى.