وقال الحافظ ابن كثير -رَحِمَهُ اللَّهُ-: وقوله -عَزَّ وَجَلَّ-: {وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ}[الأنعام: ١٦٣] قال قتادة: أي: من هذه الأمة، وهو كما قال، فإن جميع الأنبياء قبله كلهم كانت دعوتهم إلى الإسلام، وأصله عبادة اللَّه وحده لا شريك له. انتهى.
قال العلامة الشوكانيُّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: قال في "الانتصار": إن غير النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- إنما يقول:"وأنا من المسلمين". وهو وَهَمٌ، منشؤه توهم أن معنى "وأنا أول المسلمين" أني أول شخص اتَّصَفَ بذلك بعد أن كان الناس بمعزل عنه، وليس كذلك، بل معناه المسارعة في الامتثال لما أمره به، ونظيره: {قُلْ إِنْ كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ (٨١)} [الزخرف: ٨١]، وقال موسى -عليه الصلاة والسلام-: {وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ}[الأعراف: ١٤٣].
قال الجامع عفا اللَّه تعالى عنه: إن اعتراض الشوكانيّ غير واضح، في قاله في "الانتصار" هو الظاهر، ولا سيما وقد ثبت عنه -صلى اللَّه عليه وسلم- أنه قاله، كما تقدم، واللَّه تعالى أعلم.
قال: وظاهر الإطلاق أنه لا فرق في قوله: "وأنا من المسلمين"، وقوله:"وما أنا من المشركين" بين الرجل والمرأة، وهو صحيح على إرادة الشخص، وفي "المستدرك" للحاكم من رواية عمران بن حصين أن النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- قال لفاطمة -رضي اللَّه عنها-: "قومي، فاشهدي أضحيتك، وقولي: إن صلاتي ونسكي" إلى قوله: "وأنا من المسلمين"، فدلّ على ما ذكرناه. انتهى كلام الشوكانيُّ -رَحِمَهُ اللَّهُ- (١)، وهو بحث جيّد.
وقوله:(اللَّهُمَّ) قال الأزهريُّ: فيه مذهبان للنحويين، قال الفرّاء: هي في الأصل: يا اللَّه أُمَّنَا بخير، فكَثُرت في الكلام، واختلطت، فقيل: اللهم، كما قالوا: هَلُمَّ، وأصلها:"هل" ضُمّ إليها "أُمَّ"، ثم تركت منصوبة الميم، وقال الخليل: معناه: يا أللَّه، والميم المشددة عوض عن "يا" النداء، والميم مفتوحة لسكونها، وسكون الميم قبلها، ولا يجمع بينهما، فلا يقال: يا أللَّهم. انتهى.
قال الجامع عفا اللَّه تعالى عنه: قد يجمع بينهما في الشعر، كقوله [من الرجز]: