للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

شرعًا، فوجدنا النبيّ سَمّى ثلاثة أيام سفرًا، وسمى اليومين سفرًا، وسمى اليوم سفرًا، وسمى البريد أيضًا سفرًا، فأقلّ ما ثبت عنه من تسمية بعض المسافات سفرًا هو البريد، فثبت كون البريد سفرًا بالنصّ، لكن لمّا صح حديث أنس -رضي اللَّه عنه- في "صحيح مسلم" وغيره، من طريق شعبة، عن يحيى بن يزيد الْهُنَائي، قال: سألت أنسًا عن قصر الصلاة؟ فقال: كان رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- إذا خرج مسيرة ثلاثة أميال، أو ثلاثة فراسخ صلى ركعتين -شعبة الشاكّ- ورواه أيضًا أحمد، وأبو داود.

عَلِمنا من هذا النصّ أن ثلاثة فراسخ هي أقلّ ما صحّ من تحديد المسافة مرفوعًا، وإنما لم نعتبر الثلاثة أميال، مع كونها أقل منها؛ لوقوع الشك فيها، فاعتبرنا الفراسخ احتياطًا، فتبيّن من هذا أن أقل المسافات التي صحّ التحديد به هي ثلاثة فراسخ.

قال في "الفتح": وهو أصحّ حديث ورد في بيان ذلك، وأصرحه، وقد حمله من خالفه على أن المراد به المسافة التي يُبتدأ منها القصر، لا غاية السفر، ولا يخفى بُعد هذا الحمل، مع أن البيهقيّ ذكر في روايته من هذا الوجه أن يحيى بن يزيد راويه عن أنس، قال: سألت أنسًا عن قصر الصلاة، وكنت أخرج إلى الكوفة -يعني من البصرة- فأصلي ركعتين حتى أرجع؟ فقال أنس. . . فذكر الحديث، فظهر أنه سأله عن جواز القصر في السفر، لا عن الموضع الذي يُبتدأ القصر منه، ثم إن الصحيح في ذلك أنه لا يتقيد بمسافة، بل بمجاوزة البلد الذي يخرج منه. انتهى (١).

فتبيّن بما قاله في "الفتح" أن هذا الحديث ذكره أنس -رضي اللَّه عنه- تحديدًا للمسافة التي كان النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- إذا خرج إليها قصر الصلاة.

والحاصل أن الفراسخ الثلاثة هي أقل المسافة التي يثبت بها حكم السفر من القصر وغيره، هذا ما عندي، واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

[تنبيهان]: (الأول): ذكر الفرّاء أن الفرسخ فارسي معرّب، وهو ثلاثة


(١) "الفتح" ٣/ ٢٧٦.