للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

مالك، ومذهب الثلاثة أيام مَرويّ أيضًا عن ابن مسعود، وعثمان، وغيرهما. انتهى كلام ابن رشد -رَحِمَهُ اللَّهُ- (١).

وقال الإمام ابن المنذر -رَحِمَهُ اللَّهُ-: أجمع أهل العلم على أن لمن سافر سفرًا تكون مسافته مثل ما بين المدينة إلى مكة أن يقصر الصلاة.

واختلفوا فيمن سافر أقلّ من هذه المسافة، فقالت طائفة: من سافر أربعة بُرُد، فله أن يقصر الصلاة، كذلك قال مالك، والشافعي، وأحمد، وإسحاق، واحتجوا بالأخبار التي رويت عن ابن عمر، وابن عباس -رضي اللَّه عنهم-.

من ذلك أن ابن عمر -رضي اللَّه عنهما- ركب إلى رِيم (٢) فقصر الصلاة في مسيره ذلك، قال مالك: وذلك نحو من أربعة بُرُد، وأن ابن عباس -رضي اللَّه عنهما- سئل أيقصر إلى عرفة؟ قال: لا، ولكن إلى عُسفان، وإلى جُدّة، وإلى الطائف، ورُوي عن ابن عمر، وابن عباس أنهما كانا يصليان ركعتين، ويُفطران في أربع بُرُد، فما فوق ذلك.

وهذا مذهب أحمد، وإسحاق، وأبي ثور، وحَكَى أبو ثور ذلك عن مالك، والشافعي، وبه قال الليث بن سعد في بعض الصلاة، وكذا قال عبد الملك الماجشون.

وقالت طائفة: يقصر الصلاة في مسير يومين، ولم يذكر مقدار ذلك بالبرد والأميال، هذا قول الحسن البصريّ، والزهريّ، وقد كان الشافعي يقول إذ هو بالعراق: يقصر في مسيرة ليلتين قاصدتين، وذلك إذا جاوز السير أربعين ميلًا بالهاشميّ، ثم قال بمصر: للمرء عندي أن يقصر فيما كان مسيرة ليلتين قاصدتين، وذلك ستة وأربعون ميلًا بالهاشمي، ولا يقصر فيما دونهما، وأُحِبّ أنا أن لا أقصر في أقل من ثلاث؛ احتياطًا على نفسي، وإن ترك القصر مباح لي.

وقالت طائفة: يقصر في مسيرة اليوم التامّ، ثبت أن ابن عمر -رضي اللَّه عنهما- كان


(١) "بداية المجتهد" ١/ ١٦٧ - ١٦٨.
(٢) أصله رِئْمٌ، بكسر الراء، وسكون الهمزة، واحد الآرام، وهي الظباء الخالصة البياض، ثم سُمّي به وادٍ لمزينة قُربَ المدينة، قاله في "معجم البلدان" ٣/ ١١٤.