للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

أدلّتهم أن أرجح الأقوال قول من قال بوجوب القصر؛ لأمره -صلى اللَّه عليه وسلم- بذلك، وهو للوجوب، مع ما ثبت عنه من ملازمته القصر في جميع أسفاره؛ إذ لم يصحّ عنه أنه أتمّ صلاته في السفر قطّ، وأما ما ثبت من إتمام عثمان، وعائشة، وغيرهما من الصحابة -رضي اللَّه عنهم- فمن باب الاجتهاد، وقد خالفهم غيرهم من الصحابة، وإذا وقع الاختلاف بينهم، فليس قول أحد منهم حجة، بل يجب الرجوع إلى النصوص؛ لقوله عزَّ وجلَّ: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ} الآية [النساء: ٥٩]، فإذا رجعنا إليها، فقد توافقت النصوص القوليّة والفعليّة على القصر لا على الإتمام، فوجب القول به، وقد كنت رجّحت في "شرح النسائيّ" القول بالجواز، ثم مِلت إلى هذا؛ لما ذكرته، وباللَّه تعالى التوفيق.

[تنبيه]: ثم إن قولنا بوجوب القصر لا يستلزم بطلان صلاة من أتمّ، وإن كان تركَ الواجب، بدليل اتفاق الصحابة الذين حجّوا مع عثمان -رضي اللَّه عنهم- على صحة صلاة عثمان -رضي اللَّه عنه-، ومن صلى معه، حتى إن الذين أنكروا عليه الإتمام لمخالفته السنة صلَّوا معه، واعتدُّوا بتلك الصلاة، كابن مسعود، وابن عمر -رضي اللَّه عنهم-، فلو كانت صلاة عثمان ومن معه باطلة لم يُصلُّوا معه، فتنبّه لهذا الدقيق، فإنه مهمٌّ.

ثم رأيت شيخ الإسلام ابن تيميّة قرّر نحو هذا الذي قلته، فقال -رَحِمَهُ اللَّهُ- ما حاصله: وأما صلاة عثمان -رضي اللَّه عنه- فقد عُرِف إنكار أئمة الصحابة -رضي اللَّه عنهم- عليه، ومع هذا فكانوا يصلون خلفه، بل كان ابن مسعود يصلي أربعًا، وإن انفرد، ويقول: الخلاف شَرّ، وكان ابن عمر إذا انفرد صلى ركعتين، وهذا دليلٌ على أن صلاة السفر أربعًا مكروهة عندهم، ومخالِفَةٌ للسنة، ومع ذلك فلا إعادة على من فعلها، وإذا فعلها الإمام اتُّبعَ فيها، وهذا لأن صلاة المسافر ليست كصلاة الفجر، بل هي من جنس الجمعة والعيدين، ولهذا قرن عمر بن الخطاب في السنة التي نقلها بين الأربع، فقال: "صلاة الأضحى ركعتان، وصلاة الفطر ركعتان، وصلاة الجمعة ركعتان، وصلاة المسافر ركعتان، تمامٌ غيرُ قصر، على لسان نبيكم -صلى اللَّه عليه وسلم-، وقد خاب من افترى"، رواه أحمد، والنسائي. انتهى كلامه -رَحِمَهُ اللَّهُ- (١).


(١) راجع: "مجموع الفتاوى" ٢٤/ ١٠٠.