وصلاة السفر ركعتان، وصلاة الجمعة ركعتان، تمام غير قصر على لسان نبيّكم، وقد خاب من افترى"، حديث صحيح.
قالوا: فهذا الخبر يُصرّح بأن الركعتين في السفر تمامٌ غير قصر، وهو خبر ثابتٌ، وغير جائز أن يُقابل هذا الخبر خبر مغيرة بن زياد، وطلحة بن عمرو، ولو كان الحديث الذي أتى به المغيرة بن زياد في حديث من هو أجلّ منه أسقط حديثه من أجله، وذلك أن النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- قد سافر أسفارًا كثيرة، ومعه أصحابه، أو من كان معه منهم، وقد حَفِظُوا عنه صلاته ومواقيتها، وجمعه بين الصلاتين حيث جمع بينهما، وتطوّعه الذي تطوّع به في أسفاره في ليله ونهاره، وصلاته على راحلته، والوتر عليها، ونزوله عنها للمكتوبة، وغير ذلك من أحكام صلاته، وحفِظوا عنه صومه وإفطاره في سفره، ولو كان المسافر مخيّرًا بين الإتمام والقصر لبيّن ذلك النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- لأصحابه؛ لأنه المبيّن عن اللَّه تعالى ما أنزل عليه من الكتاب.
قالوا: ففيما ذكرناه دليلٌ وبيان على أن أصل فرض صلاته ركعتان، وأنه غير مخيّر في القصر والإتمام.
ومن الدليل على صحّة هذا القول خبر ابن عبّاس -رضي اللَّه عنهما-: "فَرَضَ اللَّه عزَّ وجلَّ الصلاة على لسان نبيّكم -صلى اللَّه عليه وسلم- في الحضر أربعًا، وفي السفر ركعتين"، مع قول جابر -رضي اللَّه عنه-: إن الركعتين في السفر ليستا بقصر، وقول ابن عمر -رضي اللَّه عنهما-: إنها ليست بقصر، ولكنها تمام سنة الركعتين في السفر، وقال ابن عبّاس -رضي اللَّه عنهما- لرجل قال له: "ما تطيب نفسي أن أصلّي بمكة ركعتين"، قال: فتطيب نفسك أن تصلي الصبح أربعًا؟ فإنه كذلك.
وأجمع أهل العلم على أن من صلّى في السفر الذي للمسافر أن يقصر في مثله الصلاة ركعتين أنه مؤدٍّ ما فُرِض عليه، وقد اختُلف فيمن صلّى أربعًا، هل أدّى فرضًا أم لا؟ فالفرض ساقط عمن صلى ركعتين؛ لإجماعهم، ولا يسقط الفرض عمن صلى أربعًا؛ لاختلافهم. انتهى كلام ابن المنذر -رَحِمَهُ اللَّهُ- (١).
قال الجامع عفا اللَّه تعالى عنه: قد تبيّن بما ذُكر من أقوال العلماء، وبيان