للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

عليه، وقد نادت أقواله، وأفعاله بخلاف ذلك، وقد تقرّر أن إجماع الصحابة في عصره -صلى اللَّه عليه وسلم- ليس بحجة، والخلاف بينهم في ذلك مشهور بعد موته، وقد أنكر جماعة منهم على عثمان لمّا أتمّ بمنى، وتأولوا له تأويلات.

قال ابن القيّم -رَحِمَهُ اللَّهُ-: أحسنها (١) أنه كان قد تأهل بمنى، والمسافر إذا أقام في موضع، وتزوج فيه، أو كان له به زوجة أتمّ، وقد روى أحمد عن عثمان أنه قال: أيها الناس لما قدمت منى تأهلت بها، وإني سمعت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: "إذا تأهل رجل ببلد، فليصلّ به صلاة مقيم"، ورواه أيضًا عبد اللَّه بن الزبير الحميديّ في "مسنده"، وقد أعله البيهقي بانقطاعه، وتضعيفه عكرمة بن إبراهيم، وسيأتي الكلام عليه.

الحجة الرابعة: حديث عائشة -رضي اللَّه عنها-: "كان يقصر في السفر، ويتمّ".

وتُعُقّب بأنه حديث لا يصحّ (٢).

هذا هو حاصل النزاع في وجوب القصر وعدمه، وقد لاح من مجموع ما تقدّم رجحان القول بوجوب القصر.

وأما دعوى أن الإتمام أفضل، فمما لا وجه له، ويردّه ملازمة النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- للقصر في جميع أسفاره، وعدم صدور الإتمام عنه، ويبعد أن يلازم -صلى اللَّه عليه وسلم- طول عمره المفضول، ويَدَعَ الفاضل (٣).

وقال الإمام أبو بكر بن المنذر -رَحِمَهُ اللَّهُ- بعدما ذكر اختلاف العلماء في المسألة ما نصّه: ومن حجة من رأى أن صلاة المسافر ركعتان حديث عمر بن الخطّاب -رضي اللَّه عنه-، ثم أخرج بسنده من طريق عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن كعب بن عجرة، قال عمر: "صلاة الأضحى ركعتان، وصلاة الفطر ركعتان،


(١) سيأتي تضعيف هذا التأويل -إن شاء اللَّه تعالى-.
(٢) هذا الحديث، وإن قال الدارقطنيّ: إسناده صحيح، إلا أن الإمام أحمد -رَحِمَهُ اللَّهُ- استنكره، وقال ابن تيميّة: هو كذبٌ على رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، انظر: "نيل الأوطار" ٤/ ١١٩، وقد أشبع الكلام على هذا الحديث الشيخ الألبانيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ- في "إروائه" ٣/ ٦ - ٩ فراجعه تستفد.
(٣) راجع "نيل الأوطار" ٣/ ٢٣٩ - ٢٤١ وهو منقول بتصرّف، فتنبّه.