واحتجّ القائلون بأن القصر رخصة، والتمام أفضل بحُجَج:
الأولى: منها قول اللَّه تعالى: {فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ} الآية [النساء: ١٠١]، ونفي الجناح لا يدلّ على العزيمة، بل على الرخصة، وعلى أن الأصل التمام، والقصر إنما يكون من شيء أطول منه.
وأجيب: بأن الآية وردت في قصر الصفة في صلاة الخوف، لا في قصر العدد، لما عُلم من تقدّم شرعية قصر العدد.
قال في "الهدي" -وما أحسن ما قال-: وقد يقال: إن الآية اقتضت قصرًا يتناول قصر الأركان بالتخفيف، وقصر العدد بنقصان ركعتين، وقيّد ذلك بأمرين: الضرب في الأرض، والخوف، فإذا وُجد الأمران أبيح القصران، فيصلّون صلاة خوف مقصورًا عددها، وأركانها، وإن انتفى الأمران، وكانوا آمنين مقيمين انتفى القصران، فيصلون صلاة كاملة، وإن وجد أحد السببين ترتب عليه قصره وحده، فإن وُجد الخوف، والإقامة، قصرت الأركان، واستوفي العدد، وهذا نوع قصر، وليس بالقصر المطلق في الآية، وإن وُجد السفر، والأمن قُصر العدد، واستوفيت الأركان، وصليت صلاة أمن، وهذا أيضًا نوع قصر، وليس بالقصر المطلق، وقد تُسمى هذه الصلاة مقصورة باعتبار نقصان العدد، وقد تسمى تامّةً باعتبار تمام أركانها، وإنها لم تدخل في قصر الآية. انتهى.
الحجة الثانية: قوله -صلى اللَّه عليه وسلم- في حديث الباب:"صدقة تصدّق اللَّه بها عليكم"، فإن الظاهر من قوله:"صدقة" أن القصر رخصة فقط.
وأجيب: بأن الأمر بقبولها يدل على أنه لا مَحيص عنها، وهو المطلوب.
الحجة الثالثة: ما في "صحيح مسلم" وغيره أن الصحابة كانوا يسافرون مع رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فمنهم القاصر، ومنهم المتمّ، ومنهم الصائم، ومنهم المفطر، لا يعيب بعضهم على بعض.
وتُعُقّب بأنه لا يوجد في "صحيح مسلم" قوله: "فمنهم القاصر، ومنهم المتمّ"، وليس فيه إلا أحاديث الصوم والإفطار.
وعلى تقدير ثبوت ذلك، فليس فيه أن النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- اطّلَع على ذلك، وقرّرهم