وهو حجة؛ لأنه يَحْتَمل أن تكون أخذته عن النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، أو عن صحابي آخر أدرك ذلك.
ونقل التواتر في مثل هذا غير لازم، فليس من شرط صحّة الحديث أن يُنْقَلَ نقل تواتر، فتبصّر بالإنصاف، واللَّه تعالى أعلم.
(ومنها): أن المراد بقولها: "فرضت" أي: قدّرت، قال: وهو خلاف الظاهر.
(ومنها): ما قاله النوويّ: إن المراد بـ "فرضت" أي: لمن أراد الاقتصار عليهما، فزيد في صلاة الحضر ركعتان على سبيل التحتيم، وأقرت صلاة السفر على جواز الاقتصار عليهما، وهو تأويل متعسّف لا يُعوّل على مثله.
(ومنها): المعارضة لحديث عائشة -رضي اللَّه عنها- بأدلتهم التي تمسكوا بها في عدم وجوب القصر، وستأتي، ويأتي الجواب عنها.
والحجة الثالثة: ما في "صحيح مسلم" عن ابن عباس -رضي اللَّه عنهما-، أنه قال:"إن اللَّه عزَّ وجلَّ فرض الصلاة على لسان نبيكم -صلى اللَّه عليه وسلم- على المسافر ركعتين، وعلى المقيم أربعًا، والخوف ركعة"، فهذا الصحابي الجليل قد حَكَى عن اللَّه عزَّ وجلَّ أنه فرض صلاة السفر ركعتين، وهو أتقى للَّه، وأخشى من أن يحكي أن اللَّه فرض ذلك بلا برهان.
والحجة الرابعة: حديث عمر -رضي اللَّه عنه- عند النسائيّ وغيره:"صلاة الجمعة ركعتان، وصلاة الفطر ركعتان، وصلاة الأضحى ركعتان، وصلاة السفر ركعتان، تمام غير قصر على لسان محمد -صلى اللَّه عليه وسلم-"، وهو حديث صحيح.
وهو يدلّ على أن صلاة السفر مفروضة كذلك من أول الأمر، وأنها لم تكن أربعًا، ثم قُصِرت، وقوله:"على لسان محمد -صلى اللَّه عليه وسلم-" تصريح بثبوت ذلك من قوله -صلى اللَّه عليه وسلم-.
والحجة الخامسة: حديث ابن عمر -رضي اللَّه عنهما- عند النسائيّ:"إن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أتانا، ونحن ضُلّال، فعلّمنا، فكان فيما علّمنا أن اللَّه عزَّ وجلَّ أمرنا أن نصلي ركعتين في السفر"، وهو حديث صحيح.