للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث / الرقم المسلسل:

فما أبين الاحتجاج به لو كان صحيحًا، أو حسنًا، ولكن لا يحتج بعبد اللَّه هذا (١)، وإن كان الحاكم صحَّحَ حديثه في القنوت عن أحمد بن عبد اللَّه المزني: حدثنا يوسف بن موسى، حدثنا أحمد بن صالح، حدثنا ابن أبي فُدَيك. . . فذكره.

نعم صحّ عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- أنه قال: واللَّه لأنا أقربكم صلاةً برسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فكان أبو هريرة يقنت في الركعة الأخيرة من صلاة الصبح بعدما يقول: "سمع اللَّه لمن حمده"، فيدعو للمؤمنين، ويلعن الكفار (٢).

ولا ريب أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فعل ذلك، ثم تركه، فأحب أبو هريرة أن يُعَلِّمهم أن مثل هذا القنوت سنّة، وأن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فعله، وهذا ردّ على أهل الكوفة الذين يكرهون القنوت في الفجر مطلقًا عند النوازل وغيرها (٣)، ويقولون: هو منسوخ، وفِعلُهُ بدعة، فأهل الحديث متوسطون بين هؤلاء، وبين من استحبه عند النوازل وغيرها، وهم أسعد بالحديث من الطائفتين، فإنهم يقنتون حيث قنت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، ويتركونه حيث تركه، فيقتدون به في فعله وتركه، ويقولون: فعله سنّة، وتركه سنّة، ومع هذا، فلا ينكرون على من داوم عليه، ولا يكرهون فعله، ولا يرونه بدعة، ولا فاعلَه مخالفًا للسنّة، كما لا ينكرون على من أنكره عند النوازل، ولا يرون تركه بدعة، ولا تاركه مخالفًا للسنّة، بل من قنت، فقد أحسن، ومن تركه فقد أحسن، ورُكْنُ الاعتدال محل الدعاء والثناء، وقد جمعهما النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- فيه، ودعاء القنوت دعاء وثناء، فهو أولى بهذا المحل، وإذا جَهَرَ به الإمام أحيانًا ليعلم المأمومين، فلا بأس بذلك، فقد جهر عمر بالاستفتاح ليعلم المأمومين، وجهر ابن عباس بقراءة الفاتحة في صلاة الجنازة ليعلمهم أنها سنّة، ومن هذا أيضًا جهر الإمام بالتأمين، وهذا من الاختلاف المباح الذي لا يعنَّف فيه من فعله، ولا من


(١) قال في "التقريب": عبد اللَّه بن سعيد بن أبي سعيد المقبريّ متروك. انتهى.
(٢) متّفقٌ عليه.
(٣) هذا إن أراد به الحنفيّة، ففيه نظر؛ لأن عندهم أن القنوت للنوازل في صلاة الفجر مشروع، كما قاله الطحاويّ وغيره، راجع: "حاشية ردّ المحتار" لابن عابدين ٢/ ١١.