تركه، وهذا كرفع اليدين في الصلاة وتركه (١)، وكالخلاف في أنواع التشهدات، وأنواع الأذان والإقامة، وأنواع النسك من الإفراد، والقران، والتمتع، وليس مقصودنا إلا ذكر هديه -صلى اللَّه عليه وسلم- الذي كان يفعله هو، فإنه قبلة القصد، وإليه التوجه في هذا الكتاب، وعليه مدار التفتيش والطلب، وهذا شيء، والجائز الذي لا ينكر فعله، وتركه شيء، فنحن لم نتعرض في هذا الكتاب لما يجوز، ولما لا يجوز، وإنما مقصودنا فيه هدي النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- الذي كان يختاره لنفسه، فإنه أكمل الهدي وأفضله، فإذا قلنا: لم يكن من هديه المداومة على القنوت في الفجر، ولا الجهر بالبسملة، لم يدل ذلك على كراهة غيره، ولا أنه بدعة، ولكن هديه -صلى اللَّه عليه وسلم- أكمل الهدي وأفضله، واللَّه المستعان.
وأما حديث أبي جعفر الرازيّ، عن الربيع بن أنس، عن أنس، قال:"ما زال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقنت في الفجر حتى فارق الدنيا"، وهو في "المسند"، والترمذي، وغيرهما، فأبو جعفر قد ضعّفه أحمد وغيره، وقال ابن المديني: كان يخلط، وقال أبو زرعة: كان يهم كثيرًا، وقال ابن حبان: كان ينفرد بالمناكير عن المشاهير.
قال: وقال لي شيخنا ابن تيمية قدس اللَّه روحه: وهذا الإسناد نفسه هو إسناد حديث: {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ}[الأعراف: ١٧٢] حديث أبي بن كعب -رضي اللَّه عنه- الطويل، وفيه: وكان روح عيسى -عَلَيْهِ السَّلَامُ- من تلك الأرواح التي أخذ عليها العهد والميثاق في زمن آدم، فأرسل تلك الروح إلى مريم -عَلَيْهَا السَّلَامُ- حين انتبذت من أهلها مكانًا شرقيًا، فأرسله اللَّه في صورة بشر، فتمثّل لها بشرًا سويًا، قال: فحملت الذي يخاطبها، فدخل من فيها، وهذا
(١) قال الجامع عفا اللَّه عنه: في تسويته رفع اليدين وتركه، ومثله الجهر بالتأمين بأنواع التشهّدات، وأنواع الأذان، وأنواع النسك نظر لا يخفى؛ لأن ترك الرفع، وعدم الجهر بالتأمين مما خالف السنة الصحيحة، مخالفةً بيِّنةً، فيُعدّ فاعله مخالفًا للسنّة، فيستحقّ الإنكار عليه، وأما أنواع التشهدات، والأذان، والنسك، فإنها ثابتة في السنّة، فمن أخذ ببعضها فقد أخذ بالسنة، فلا يُنكر عليه، فتبصّر، واللَّه تعالى أعلم.