كنقل عدد الصلوات، وعدد الركعات، والجهر والإخفات، وعدد السجدات، ومواضع الأركان وترتيبها، واللَّه الموفق.
والإنصاف الذي يرتضيه العالم المنصف أنه -صلى اللَّه عليه وسلم- جهر، وأسرّ، وقنت، وترك، وكان إسراره أكثر من جهره، وتركه القنوت أكثر من فعله، فإنه إنما قنت عند النوازل للدعاء لقوم، وللدعاء على آخرين، ثم تركه لَمَّا قدِم من دعا لهم، وتخلصوا من الأسر، وأسلم من دعا عليهم، وجاؤوا تائبين، فكان قنوته لعارض، فلما زال ترك القنوت، ولم يختص بالفجر، بل كان يقنت في صلاة الفجر والمغرب، ذكره البخاري في "صحيحه" عن أنس -رضي اللَّه عنه-، وقد ذكره مسلم عن البراء -رضي اللَّه عنه-، وذكر الإمام أحمد عن ابن عباس -رضي اللَّه عنهما-، قال: قنت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- شهرًا متتابعًا في الظهر، والعصر، والمغرب، والعشاء، والصبح في دبر كل صلاة، إذا قال:"سمع اللَّه من حمده" من الركعة الأخيرة، يدعو على حي من بني سُلَيم، على رعل، وذكوان، وعُصيّة، ويؤمِّن مَنْ خلفه، ورواه أبو داود (١).
وكان هديه -صلى اللَّه عليه وسلم- القنوت في النوازل خاصة، وتركه عند عدمها، ولم يكن يخصه بالفجر، بل كان أكثر قنوته فيها لأجل ما شرع فيها من التطويل، ولاتصالها بصلاة الليل، وقربها من السَّحَر، وساعة الإجابة، وللتنزل الإلهي، ولأنها الصلاة المشهودة التي يشهدها اللَّه وملائكته، أو ملائكة الليل والنهار، كما روي هذا، وهذا في تفسير قوله تعالى:{إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا}[الإسراء: ٧٨].
وأما حديث ابن أبي فُدَيك، عن عبد اللَّه بن سعيد بن أبي سعيد المقبري، عن أبيه، عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه-، قال: كان رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- إذا رفع رأسه من الركوع من صلاة الصبح في الركعة الثانية، يرفع يديه فيها، فيدعو بهذا الدعاء:"اللَّهم اهدني فيمن هديت، وعافني فيمن عافيت، وتولني فيمن توليت، وبارك لي فيما أعطيت، وقني شر ما قضيت، إنك تقضي، ولا يقضى عليك، إنه لا يذلّ من واليت، تباركت ربَّنَا، وتعاليت".
(١) وأخرجه الحاكم في "المستدرك" ١/ ٢٢٥، وصححه، ووافقه الذهبيّ.