للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث / الرقم المسلسل:

طائل، وحاصله ما عرفناك. انتهى كلام الشوكانيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ- (١)، وهو بحثٌ نفيسٌ جدًا.

وقد أطال البحث في هذه المسألة الإمام المحقق ابن قيم الجوزية -رَحِمَهُ اللَّهُ- في كتابه الممتع "زاد المعاد في هدي خير العباد"، ودونك تحقيقه المفيد:

قال: وقَنَتَ في الفجر بعد الركوع شهرًا، ثم ترك القنوت، ولم يكن من هديه القنوتُ فيها دائمًا، ومن المحال أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- كان في كل غداة بعد اعتداله من الركوع يقول: "اللَّهم اهدني فيمن هديت، وتولني فيمن توليت. . . إلخ"، ويرفع بذلك صوته، وُيؤَمِّن عليه أصحابه دائمًا إلى أن فارق الدنيا، ثم لا يكون ذلك معلومًا عند الأمة، بل يضيّعه أكثر أمته، وجمهور أصحابه، بل كلهم، حتى يقول من يقول منهم: إنه مُحْدَث، كما قال سعد بن طارق الأشجعي: قلت لأبي: يا أبت إنك قد صليت خلف رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، وأبي بكر، وعمر، وعثمان، وعلي -رضي اللَّه عنهم- ههنا، بالكوفة منذ خمس سنين، فكانوا يقنتون في الفجر؛ فقال: أَيْ بُنَيّ محدث. رواه أهل السنن، وأحمد، وقال الترمذي: حديث حسن صحيح. وذكر الدارقطني عن سعيد بن جبير، قال: أشهد أني سمعت ابن عباس يقول: إن القنوت في صلاة الفجر بدعة (٢).

وذكر البيهقي عن أبي مِجْلَز، قال: صليت مع ابن عمر صلاة الصبح، فلم يقنت، فقلت: لا أراك تقنت؟، فقال: لا أحفظه عن أحد من أصحابنا (٣).

ومن المعلوم بالضرورة أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- لو كان يقنت كل غداة، ويدعو بهذا الدعاء، ويؤمِّن الصحابة -رضي اللَّه عنهم- لكان نقل الأمة لذلك كلهم كنقلهم لجهره بالقراءة فيها، وعددها، ووقتها، وإن جاز عليهم تضييع أمر القنوت منها، جاز عليهم تضييع ذلك، ولا فرق، وبهذا الطريق علمنا أنه لم يكن هديه الجهر بالبسملة كلَّ يوم وليلة خمس مرات دائمًا مستمرًّا، ثم يضيِّعُ أكثر الأمة ذلك، ويخفى عليها، وهذا من أمحل المحال، بل لو كان ذلك واقعًا، لكان نقله


(١) "نيل الأوطار" ٢/ ٣٩٩ - ٤٠١.
(٢) في سنده عبد اللَّه بن ميسرة، وهو ضعيف.
(٣) "السنن الكبرى" ٢/ ٢١٣.