وقال ابن عبد البر: كَرِه مالك وغيره من أهل العلم طلب موضع الشجرة التي بويع تحتها بيعة الرضوان؛ وذلك -واللَّه أعلم- مخالفة لما سلكه اليهود والنصارى فِي مثل ذَلِكَ، ذكره فِي "الاستذكار" فِي الكلام عَلَى حَدِيْث: "اشتَدّ غضب اللَّه عَلَى قوم اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد".
وقال: ذكر مالك بإثر هذا الحديث حديث عتبان بن مالك؛ ليبيّن لك أن معنى هذا الحديث مخالفٌ للذي قبله.
قال: والتبرك والتأسي بأفعال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- إيمانٌ به وتصديقٌ، وحبٌّ في اللَّه وفي رسوله -صلى اللَّه عليه وسلم-. انتهى (١).
٧ - (ومنها): أن فيه دليلًا على أن المطر والسيول عذر يباح له التخلف عن الصلاة في المسجد.
وقد روي: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- لم يرخص له.
قال الإمام أحمد: ثنا سفيان، عن الزهري، فسئل سفيان: عمن هو؟ قال: هو محمود -إن شاء اللَّه-، أن عتبان بن مالك كان رجلًا محجوب البصر، وإنه ذكر للنبي -صلى اللَّه عليه وسلم- التخلف عن الصلاة، فقال:"هل تسمع النداء؟ " قال: نعم. فلم يرخص له، وكذا رواه محمد بن سعد، عن سفيان، وهو يدل على أن سفيان شكّ في إسناده، ولم يحفظه.
وقال الشافعي: أنبا سفيان بن عيينة: سمعت الزهري يحدث، عن محمود بن الربيع، عن عتبان بن مالك، قال: قلت: يا رسول اللَّه، إني محجوب البصر، وإن السيول تحول بيني وبين المسجد، فهل لي من عذر؟ فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "هل تسمع النداء؟ " قال: نعم. فقال له النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لا أجد لك من عذر إذا سمعت النداء"، قال سفيان: وفيه قضيّة لم أحفظها.
قال الشافعي: هكذا حدثنا سفيان، وكان يتوقّاه، ويُعَرِّف أنه لم يضبطه.
قال: وقد أوهم فيه -فيما نرى-، والدلالة على ذلك: ما أنبا مالك، عن ابن شهاب - ثم ذكر حديث عتبان المذكور في الباب، على ما رواه الجماعة عن الزهري.