للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث / الرقم المسلسل:

وقد نَقَل أحمد بن القاسم وسِنديّ الخواتيميّ، عن الإمام أحمد، أنه سئل عن إتيان هذه المساجد؟ فقال: أما على حديث ابن أم مكتوم (١): أنه سأل النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أن يصلي في بيته فيتخذه مصلى، وعلى ما كان يفعل ابن عمر يتبع مواضع النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- وأثره، فلا بأس أن يأتي الرجل المشاهد، إلا أن الناس قد أفرطوا في هذا، وأكثروا فيه.

وفي رواية ابن القاسم: أن أحمد ذكر قبر الحسين، وما يفعل الناس عنده - يعني: من الأمور المكروهة المحدثة.

وهذا فيه إشارة إلى أن الإفراط في تتبع مثل هذه الآثار يُخشَى منه الفتنة، كما كُره اتخاذ قبور الأنبياء مساجد، وقد زاد الأمر في ذلك عند الناس حتى وقفوا عنده، واعتقدوا أنه كافٍ لهم، واطَّرَحُوا ما لا ينجيهم غيره، وهو طاعة اللَّه تعالى ورسوله -صلى اللَّه عليه وسلم-.

وقد رأى الحسن قومًا يزدحمون على حمل نعش بعض الموتى الصالحين، فقال: في عمله فتنافسوا.

يشير إلى أن المقصود الأعظم متابعته في عمله، لا مجرد الازدحام على حمل نعشه.

وكذلك من يبالغ في تزيين المصحف وتحسينه، وهو مُصِرّ على مخالفة أوامره وارتكاب مناهيه.

وقد رُوي عن عمر -رضي اللَّه عنه- ما يدل على كراهة ذلك -أيضًا-:

فرُوي عن المعرور بن سويد، قال: خرجنا مع عمر في حجة حجها، فلما انصرف رأى الناسُ مسجدًا فبادروه، فقال: ما هذا؟ قالوا: مسجد صلى فيه النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-. فقال: هكذا هلك أهل الكتاب قبلكم، اتخذوا آثار أنبيائهم بِيَعًا، مَن عَرَضَت له فيه صلاة فليصلّ، ومن لم تعرض له صلاة فليمض.

وقال نافع: كان الناس يأتون الشجرة التي بايع رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- تحتها بيعة الرضوان، فيصلّون عندها، فبلغ ذلك عمر فأوعدهم فيها، وأمر بها فقطعت.


(١) هكذا وقع ابن أم مكتوم، والصواب أنه عتبان بن مالك، كما هو واضح من روايات "الصحيحين"، وغيرهما، وسيأتي التنبيه عليه في كلام ابن رجب -رَحِمَهُ اللَّهُ-.