للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث / الرقم المسلسل:

وبكل حال؛ فليس مَا ذكره النَّبِيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- من التحريق من هَذَا فِي شيء؛ لأنه -صلى اللَّه عليه وسلم- أخبر بأنه همّ، وأنما يَهُمُّ بما يجوز لَهُ فعله، والتخويف يكون عِنْدَ من أجازه بما لا يجوز فعله ولا الهم بفعله، فتبين أَنَّهُ ليس من التخويف فِي شيء، وإنما امتنع من التحريق لما فِي البيوت من النّسَاء والذرية وهم الأطفال، كما فِي الرواية الَّتِي خرجها الإمام أحمد، وهم لا يلزمون شهود الجماعة؛ فإنها لا تجب عَلَى امرأة ولا طفل، والعقوبة إذا خشي أن تتعدى إلى من لا ذنب لَهُ امتنعت، كما يؤخر الحد عَن الحامل إذا وجب عَلَيْهَا حَتَّى تضع حملها.

فإن زعم زاعم أن التحريق منسوخ؛ لأنه من العقوبات المالية، وقد نُسِخت، وربما عضَّدَ ذَلِكَ بنهي النَّبِيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- عَن التحريق بالنار.

قيل لَهُ: دعوى نسخ العقوبات المالية بإتلاف الأموال لا تصح، والشريعة طافحة بجواز ذلِكَ، كأمره -صلى اللَّه عليه وسلم- بتحريق الثوب المعصفر بالنار، وأمره بتحريق متاع الغالّ، وأمره بكسر القدور الَّتِي طبخ فيها لحوم الحمر الأهلية، وحرّق عُمَر بيت خمّار.

ونصّ عَلَى جواز تحريق بيت الخمّار أحمد وإسحاق، نقله عنهما ابن منصور فِي "مسائله"، وَهُوَ قَوْل يَحْيَى بْن يَحْيَى الأندلسي، وذكر أن بعض أصحابه نقله عَن مَالِك، واختاره ابن بطة من أصحابنا.

وروي عَن عَلِيّ -أيضًا- وروي عَنْهُ أَنَّهُ أنهب ماله.

وعن عُمَر، قَالَ فِي الَّذِي يبيع الخمر: كسِّروا كل آنية لَهُ، وسَيِّروا كل ماشية لَهُ، خرّجه وكيع فِي "كتابه".

وأما نهيه -صلى اللَّه عليه وسلم- عَن التحريق بالنار، فإنما أراد بِهِ تحريق النفوس وذوات الأرواح.

فإن قيل: فتحريق بيت العاصي يؤدي إلى تحريق نفسه، وَهُوَ ممنوع.

قيل: إنما يقصد بالتحريق دارهُ ومتاعهُ، فإن أتى عَلَى نفسه لَمْ يكن بالقصد، بل تبعًا، كما يجوز تبييتُ المشركين وقتلهم ليلًا، وقد أتى القتل عَلَى ذراريهم ونسائهم.

وقد سئل النَّبِيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- عَن ذَلِكَ، فَقَالَ: "هم منهم"، رواه البخاريّ.

وهذا مِمَّا يحسن الاستدلال بِهِ عَلَى قتل تارك الصلاة؛ فإنه إذا جازت