وإن صلى المتخلف فِي بيته.
وأما دعوى أن التحريق كَانَ للنفاق فهو غير صحيح؛ فإن النَّبِيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- صرح بالتعليل بالتخلف عَن الجماعة، ولكنه جعل ذَلِكَ من خصال النفاق، وكل مَا كَانَ علمًا عَلَى النفاق فهو محرَّم.
وفي حَدِيْث أَبِي زرارة الأنصاري، عَن النَّبِيّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "من سَمِعَ النداء ثلاثًا فَلَمْ يجب كتب من المنافقين"، وإسناده صحيح؛ لكن أبو زرارة، قَالَ أبو الْقَاسِم البغوي: لا أدري أله صحبة أم لا؟.
وخرّج الإمام أحمد من رِوَايَة ابن لهيعة، عَن زبان بْن فائد، عَن سَهْل بْن معاذ بْن أنس، عَن أبيه، عَن النَّبِيّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، قَالَ: "الجفاء كل الجفاء، والكفر والنفاق من سَمِعَ منادي اللَّه ينادي بالصلاة ويدعو بالفلاح فلا يجيبه".
ورواه رشدين بْن سعد، عَن زبان.
قَالَ الحافظ أبو موسى: رواه جماعة عَن زبان، وتابعه عَليهِ يزيد بْن أَبِي حبيب.
وَقَالَ النخعي: كفى علَمًا عَلَى النفاق أن يكون الرَّجُلُ جار المسجد، لا يُرى فِيهِ.
وقد كَانَ النَّبِيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- يعلم نفاق خلق من المنافقين ولا يعاقبهم عَلَى نفاقهم، بل يكل سرائرهم إلى اللَّه، ويعاملهم معاملة المُسْلِمِين فِي الظاهر، ولا يعاقبهم إلَّا عَلَى ذنوب تظهر منهم، فَلَمْ تكن العقوبة بالتحريق إلَّا عَلَى الذَّنْب الظاهر، وَهُوَ التخلف عَن شهود الصلاة فِي المسجد، لا عَلَى النفاق الباطن.
وأما دعوى أن ذَلِكَ كَانَ تخويفًا وإرهابًا مِمَّا لا يجوز فعله، فَقَدْ اختلف فِي جواز ذَلِكَ.
فروي جوازه عَن طائفة من السلف، منهم: عَبْد الحميد بْن عَبْد الرحمن عامل عُمَر بْن عَبْد العزيز عَلَى الكوفة، وميمون بْن مهران، وروي -أيضًا- عن عُمَر بْن الخَطَّاب من وجه منقطع ضَعِيف، وعن عَلِيّ بْن أَبِي طالب.
وأنكر ذَلِكَ عُمَر بْن عَبْد العزيز وتغيّظ عَلَى عَبْد الحميد لمّا فعله، وَقَالَ: إن خصلتين خيرهما الكذب لخصلتا سوءٍ.
وقد ذكر هذه الآثار عُمَر بْن شبة البصري فِي "كِتَاب أدب السلطان".