ويَحْتَمِل أنه استَعْمل لفظ العتمة في العشاء؛ لأنه كان مشتهرًا عندهم استعمال لفظ العشاء للمغرب، فلو قال:"لو يعلمون ما في الصبح والعشاء" لتوهموا أنها المغرب.
قال الحافظ: وهذا ضعيف؛ لأنه قد ثبت في نفس هذا الحديث:"لو يعلمون ما في الصبح والعشاء"، فالظاهر أن التعبير بالعشاء تارة، وبالعتمة تارةً من تصرف الرواة.
وقيل: إن النهي عن تسمية العشاء عَتَمَةً نسخ الجواز.
وتُعُقّب بأن نزول الآية كان قبل الحديث المذكور، وفي كل من القولين نظر؛ للاحتياج في مثل ذلك إلى التاريخ، ولا بُعْد في أن ذلك كان جائزًا، فلما كَثُر إطلاقهم له نُهُوا عنه؛ لئلا تغلب ألسنة الجاهلية على السنّة الإسلامية (١).
قال الجامع عفا اللَّه عنه: قد تبيّن مما سبق من ذكر أقوال أهل العلم، وأدلّتها أن الأرجح أنه يجوز إطلاق اسم العتمة على العشاء؛ لصحّة الأحاديث بذلك، كحديث أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- مرفوعًا:"لو يعلمون ما في الصبح والعتمة لأتوهما ولو حبوًا"، متّفقٌ عليه، وغير ذلك، وأيضًا فان الصحابة الذين رووا النهي استعملوا التسمية المذكورة، فدلّ على جواز ذلك، لكن الأولى اجتنابه؛ لحديث ابن عمر -رضي اللَّه عنهما- المذكور في الباب، وبهذا تجتمع الأدلّة دون تخالف وتعارض، فتبصّر، واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
(المسألة الخامسة): أنه ورد النهي أيضًا عن تسمية المغرب بالعشاء:
قال الإمام البخاريّ -رَحِمَهُ اللَّهُ- في "صحيحه": "باب من كِره أن يقال للمغرب: العشاء".
قال الزين ابن الْمُنِّير -رَحِمَهُ اللَّهُ-: عَدَلَ البخاريّ -رَحِمَهُ اللَّهُ- عن الجزم كأن يقول: باب كراهية كذا؛ لأن لفظ الخبر لا يقتضي نهيًا مطلقًا، لكن فيه النهي عن غلبة الأعراب على ذلك، فكأن المصنف رأى أن هذا القدر لا يقتضي المنع من إطلاق العشاء عليه أحيانًا، بل يجوز أن يُطلَق على وجه لا يُتْرَك له التسمية