الأخرى، كما ترك ذلك الأعراب وقوفًا مع عادتهم، قال: وإنما شُرع لها التسمية بالمغرب؛ لأنه اسم يُشعِر بمسماها، أو بابتداء وقتها، وكَرِه إطلاق اسم العشاء عليها؛ لئلا يقع الالتباس بالصلاة الأخرى، وعلى هذا لا يكره أيضًا أن تسمى العشاء بقيد، كأن يقول: العشاء الأولى، ويؤيِّده قولهم: العشاء الآخرة، كما ثبت في الصحيح.
ونَقَلَ ابن بطال عن غيره أنه لا يقال للمغرب: العشاء الأولى، ويَحتاج إلى دليل خاصّ، أما من حديث الباب فلا حجة له، قاله في "الفتح".
ثمّ أخرج البخاريّ بسنده عن عبد اللَّه بن مُغَفَّل -رضي اللَّه عنه- أن النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- قال:"لا تغلبنَّكم الأعراب على اسم صلاتكم المغرب"، قال:"وتقول الأعراب: هي العشاء"، وأخرجه أحمد، وابن خزيمة.
قال الطيبيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: يقال: غلبه على: غصبه منه، أو أخذه منه قهرًا، والمعنى: لا تتعرضوا لما هو من عادتهم من تسمية المغرب بالعشاء، والعشاء بالعتمة، فيَغْصِبَ منكم الأعراب اسمَ العشاء التي سماها اللَّه بها، قال: فالنهي على الظاهر للأعراب، وعلى الحقيقة لهم.
وقال غيره: معنى الغلبة أنكم تسمونها اسمًا، وهم يسمونها اسمًا، فإن سميتموها بالاسم الذي يسمونها به وافقتموهم، وإذا وافق الخصم خصمه: صار كأنه انقطع له حتى غلبه، ولا يحتاج إلى تقدير غصب، ولا أخذ.
وقال التوربشتيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: المعنى: لا تطلقوا هذا الاسم على ما هو متداول بينهم، فيَغْلِبَ مصطلحُهم على الاسم الذي شرعته لكم. انتهى (١).
وقال الحافظ ابن رجب -رَحِمَهُ اللَّهُ-: قد استدلّ بحديث ابن مغفّل -رضي اللَّه عنه هذا من كره تسمية المغرب العشاء، وهو قول أصحاب الشافعيّ وغيرهم، وقال أصحابنا -يعني الحنابلة-: لا يُكره ذلك، واستدلُّوا بأن العشاء تسمّى العشاء الآخرة، كما قال النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "أيّما امرأة أصابت بَخُورًا فلا تشهد معنا العشاء الآخرة"، رواه مسلم، فهذا يدلّ على أن المغرب العشاء الأولى.