للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث / الرقم المسلسل:

(وثانيها): أن الفصحاء لا يُطلقون لفظ الجمع، ويَعطفون عليه أحدَ مفرداته، ويريدون بذلك المفرد ذلك الجمع؛ فإن ذلك في غاية الْعِيّ والإلباس.

(وثالثها): أنه لو أريد بالصلاة الوسطى الصلوات لكان كأنه قال: حافظوا على الصلوات والصلوات، ويريد بالثاني الأولَ، ولو كان كذلك لما كان فَصِيحًا في لفظه، ولا صحيحًا في معناه؛ إذ لا يحصل باللفظ الثاني تأكيد للأوّل؛ لأنه معطوف، ولا يفيد معنى آخر، فيكون حشوًا، وحَمْلُ كلام اللَّه تعالى على شيء من هذه الثلاثة عير مُسَوَّغٍ ولا جائزٍ.

قال: وسبب اختلاف العلماء القائلين بالتعيين صلاحية "الوسطى" لأن يراد بها التوسّط في العدد، أو في الزمان.

فإن راعينا أعداد الركعات أدَّى إلى أنها المغرب؛ لأن أكثر أعداد الصلوات أربع ركعات، وأقلّها ركعتان، وأوسطها ثلاثٌ، وهي المغرب.

وإن راعينا أعداد الصلوات أنفسها، فما من صلاة إلا وهي متوسّطة بين شفعين؛ إذ الصلوات خمسٌ.

وإن راعينا الأوسط من الزمان كان الأبين أنها الصبح؛ لأنها بين صلاتي نهار مُحَقَّق، وهما: الظهر والعصر، وبين صلاتي ليلٍ مُحَقَّق، وهما: المغرب والعشاء، فأما وقت الصبح فوقتٌ متردّدٌ بين النهار والليل.

قال القرطبيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: قلت -واللَّه أعلم-: لا يصلح هذا الذي ذُكر أن يكون سببًا في الخلاف فيها؛ إذ لا مناسبة لما ذُكر؛ لكون هذه الصلاة أفضل، أو أوكد من غيرها، أما أعداد الركعات فالمناسب هو أن تكون الرباعيّة أفضل؛ لأنها أكثر ركعات، وأكثر عملًا، والقاعدة أن ما كثُر عمله كثُر ثوابه.

وأما مراعاة أعداد الصلوات، فيلزم منه أن تكون كلُّ صلاة هي الوسطى، وهذا الذي أبطلناه، وأيضًا فلا مناسبة بين ذلك وبين أكثريّة الثواب.

وأما اعتبارها من حيث الأزمانُ، فغير مناسب أيضًا؛ لأن نسبة الصلوات إلى الأزمان كلّها من حيث الزمانيّة واحدةٌ، فإن فُرِض شيء يكون في بعض الأزمان فذلك لأمر خارج عن الزمان.

قال: والذي يظهر لي أن السبب في اختلافهم فيها اختلافهم في مفهوم