للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث / الرقم المسلسل:

الكتاب والسنّة في ذلك المعنى، ونحن نتكلّم على ما ورد في ذلك بحسب ما يقتضيه مساق الكلام، وصحيح الأحاديث -إن شاء اللَّه تعالى- فنقول: إن قوله تعالى: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى} [البقرة: ٢٣٨] هو من باب قوله تعالى: {فِيهِمَا فَاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ (٦٨)} [الرحمن: ٦٨]، وقوله: {مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ} [البقرة: ٩٨] فخصَّ الرمان والنخل، وجبريل وميكال بالذكر، وإن كانوا قد دخلوا فيما قبلُ بحكم العموم تشريفًا وتكريمًا، وإذا كان ذلك كذلك، فلهذه الصلاة المعبّر عنها بالوسطى شرفيّةٌ وفضيلةٌ ليست لغيرها، غير أن هذه الصلاة الشريفة لم يُعيِّنها اللَّه تعالى في القرآن، فوجب أن يُبحَثَ عن تعيينها في السنّة، فبحثنا عن ذلك، فوجدنا ما يُعيّنها، وأصحّ ما في ذلك أنها العصر على ما في حديث عليّ -رضي اللَّه عنه-، وأنصّ ذلك ما ذكره الترمذيّ، وصحّحه، وهو قوله -صلى اللَّه عليه وسلم-: "الصلاة الوسطى صلاة العصر" (١)، وهذا نصّ في الغرض، غير أنه قد جاء ما يشعّث التعويل عليه، وهو ما ذكره البراء بن عازب -رضي اللَّه عنهما- وذلك أنه قال: "نزلت هذه الآية: "حافظوا على الصلوات وصلاة العصر"، فقرأناها ما شاء اللَّه، ثم نسخها اللَّه، فنزلت: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى} [البقرة: ٢٣٨]، فلزم من هذا أنها بعد أن عُيِّنت نُسخ تعيينها، وأُبهمت، فارتفع التعيين، ولم يُمكنا أن نتمسّك بالأحاديث المتقدّمة، فلما أُبهم أمر تعيينها، أخذ العلماء يستدلّون على تعيينها بما ظهر لكلّ واحد منهم بما يناسب الأفضليّة، فذهب مالك وأهل المدينة إلى أن الصبح أولى بذلك؛ لكونها تأتي في وقت نوم وركون إلى الراحة، واستصعاب الطهارة، فتكثر المشقّة في المحافظة عليها أكثر من غيرها، فتكون هي الأحقّ بكونها أفضل، وأيضًا فإنه وقتٌ يتمكّن الإنسان فيه من إحضار فهمه وتفرّغه للصلاة؛ لأن علاقات الليل قد انقطعت بالنوم، وأَشْغال النهار بعدُ لم يأت، ولذلك قال اللَّه تعالى: {إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا} [الإسراء: ٧٨] أي يحضره القارئ بفراغ ذهنه على أحد التأويلات، وهو أحسنها، وبنحو من هذا يُستدلّ لسائرها من الصلوات، إلا أن الصبح أدخل في هذا المعنى.


(١) رواه الترمذيّ برقم (٢٩٨٦ و ٢٩٨٨) من حديث سمرة بن جندب، وابن مسعود -رضي اللَّه عنهما-.