[القول الثالث]: أنها العصر، وبه قال علي بن أبي طالب -رضي اللَّه عنه-، فقد رَوَى الترمذيّ، والنسائيّ من طريق زِرّ بن حُبَيش، قال: قلنا لعبيدة: سَلْ عَلِيًّا عن الصلاة الوسطى، فسأله؟ فقال: كنا نُرَى أنها الصبح، حتى سمعت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول يوم الأحزاب:"شغلونا عن الصلاة الوسطى صلاة العصر". انتهى.
قال الحافظ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: وهذه الرواية تَدْفَعُ دَعْوَى من زَعَمَ أن قوله: "صلاة العصر"، مُدْرَجٌ من تفسير بعض الرواة، وهي نصّ في أن كونها العصر من كلام النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، وأن شُبْهَة من قال: إنها الصبح قويّة، لكن كونها العصر هو المعتمد.
وبه قال ابن مسعود وأبو هريرة، وهو الصحيح من مذهب أبي حنيفة، وقول أحمد، والذي صار إليه معظم الشافعية؛ لصحة الحديث فيه، قال الترمذي: هو قول أكثر علماء الصحابة -رضي اللَّه عنهم-، وقال الماورديّ: هو قول جمهور التابعين، وقال ابن عبد البرّ: هو قول أكثر أهل الأثر، وبه قال من المالكية: ابنُ حبيب، وابن العربيّ، وابن عَطِيَّة، ويؤيّده أيضًا ما رواه مسلم عن البراء بن عازب -رضي اللَّه عنهما-: "نزلت حافظوا على الصلوات، وصلاة العصر، فقرأناها ما شاء اللَّه، ثم نُسِخت، فنزلت {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى}[البقرة: ٢٣٨]، فقال رجل: فهي إذن صلاة العصر، فقال: أخبرتك كيف نزلت".
[القول الرابع]: أنها المغرب، نقله ابن أبي حاتم بإسناد حسن عن ابن عباس، قال:"صلاة الوسطى هي المغرب"، وبه قال قَبِيصَةُ بن ذُؤَيب، أخرجه ابن جرير، وحجتهم أنها معتدلة في عدد الركعات، وأنها لا تُقْصَر في الأسفار، وأن العمل مَضى على المُبَادَرَةِ إليها، والتعجيل لها في أول ما تغرب الشمس، وأن قبلها صلاتي سر، وبعدها صلاتي جهر.
[القول الخامس]: أنها جميع الصلوات، وهو آخر ما صحّحه ابن أبي حاتم، أخرجه أيضًا بإسناد حسن عن نافع، قال:"سُئِلَ ابنُ عمر؟ فقال: هي كلهن، فحافظوا عليهن"، وبه قال معاذ بن جبل، واحتج له بأن قوله:{حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ} يتناول الفرائض، والنوافل، فعطف عليه الوسطى، وأريد بها كلّ الفرائض تأكيدًا لها، واختار هذا القول ابن عبد البرّ.