للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث / الرقم المسلسل:

قال ابن حزم: هذا ليس شيئًا؛ لأنه إن التزموه، أبطل عليهم جمهور الحنفية مذهبهم، فيقال مثل هذا في الوضوء بالنبيذ، وفي الاستنشاق، والاستنثار، وقراءة أم القرآن، والطمأنينة، وكل ما اختلف فيه، مما يبطل الصوم، والحج، ومما تجب فيه الزكاة، فيلزمهم أن لا يؤدوا عملًا من الشريعة إلا حتى لا يختلف اثنان في أنهم قد أدَّوْهُ، كما أُمروا، ومع هذا لا يصح لهم من مذهبهم جزء من مائة جزء بلا شك.

وذكروا حديث النعمان بن بشير: أنه -رضي اللَّه عنه-: "كان يصلي العتمة لسقوط القمر لليلة ثالثة"، ولو كان لكان أعظم حجةٍ لنا؛ لأنَّ الشفق الأبيض يبقى بعد هذه مدة طويلة بلا خلاف.

واحتَجّ بعضهم بالأثر: "أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- كان يصلي العشاء الآخرة إذا اسودّ الليل"، وبقاء البياض يمنع من سواد الأفق.

قال ابن حزم: وهذا خطأ؛ لأنه يصلي العتمة مع بياض القمر، وهو أمنع من سواد الأفق على أصولهم، من البياض الباقي بعد الحمرة الذي لا يمنع من سواد الأفق، لقلته، ودِقَّتِهِ. وذكروا حديث النعمان بن بشير: أنه -صلى اللَّه عليه وسلم- كان يصلي العتمة لسقوط القمر لليلة ثالثة.

وهذا لا حجة لهم فيه؛ لأننا لا نمنع من ذلك، ولا من تأخيرها إلى نصف الليل، بل هو أفضل، وليس في هذا، المنع من دخول وقتها قبل ذلك.

وذكروا حديثًا ساقطًا موضوعًا، فيه أنه -صلى اللَّه عليه وسلم- صلّى العتمة قبل غروب الشفق.

وهذا لو صح -ومعاذ اللَّه من ذلك- لما كان فيه إلا جواز الصلاة قبل وقتها، وهو خلاف قولهم، وقولنا.

وذكروا عن ثعلب: أن الشفق البياض. قال ابن حزم: لسنا ننكر أن الشفق البياض، والشفق الحمرة، وليس ثعلب حجة في الشريعة، إلا في نقله، فهو ثقة، وأما في رأيه فلا.

وأظرف ذلك احتجاج بعضهم بأن الشفق مشتق من الشفقة، وهي الرّقَّة، ويقال: ثوب شفيق إذا كان رقيقًا، وقالوا: البياض أحقّ بهذا؛ لأنها أجزاء رقيقة تبقى بعد الحمرة.