للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث / الرقم المسلسل:

قال ابن حزم: وهذا هَوَس، ناهيك به، فإن قيل لهم: بل الحمرة أولى به؛ لأنها تتولد عن الإشفاق، والحياء، وكل هذا تخليط هو في الهزل أدخل منه في الجِدّ.

وقال بعضهم: لما كان وقت صلاة الفجر يدخل بالفجر الثاني وجب أن يدخل وقت صلاة العتمة بالشفق الثاني، فعورضوا بأنّه لما كان الفجر فجرين، وكان دخول وقت صلاة الفجر الذي معه الحمرة وجب أن يكون دخول وقت العتمة بالشفق الذي معه الحمرة.

وقالوا أيضًا: لما كانت الحمرة -التي هي مقدمة طلوع الشمس- لا تأثير لها في خروج وقت صلاة الفجر، وجب أن يكون أيضًا لا تأثير لها في خروج وقت المغرب، فعورضوا بأنّه لما كانت الطوالع ثلاثة، والغوارب ثلاثة، وكان الحكم في دخول وقت صلاة الصبح للأوسط من الطوالع: وجب أن يكون الحكم في دخول صلاة العتمة للأوسط من الغوارب.

وهذه كلها تخاليط، ودعاوٍ فاسدة، متكاذبة، وإنما أوردناها لِيَعْلَمَ من أنعم اللَّه تعالى عليه بأن هداه لإبطال القياس في الدين: عظيمَ نعمة اللَّه تعالى عليه في ذلك، وليتبصر من غَلِطَ، فقال به (١)، وما توفيقنا إلا باللَّه تعالى. انتهى كلام ابن حزم -رَحِمَهُ اللَّهُ- (٢).

قال الجامع عفا اللَّه عنه: قد تبَيَّن بما قال هؤلاء الأئمة أن أرجح الأقوال في معنى الشفق المذكورِ في حديث صلاة العشاء هو الحمرة؛ لقوة مُتَمَسَّكِهِ الذي ذُكِرَ في كلامهم المذكور آنفًا، فتبصّر، واللَّه -تعالى- أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

خاتمة: -نسأل اللَّه تعالى حسنها- في ذكر ثلاث فوائد:


(١) قال الجامع عفا اللَّه عنه: هذا عند المحقّقين في القياس الفاسد، بأن كان في مقابلة النصوص، وأما غيره فلا يُردّ، وأما ابن حزم فمذهبه ردّ القياس مطلقًا، وهو رأي ضعيف، وقد حقّقت البحث في هذا في "التحفة المرضيّة"، و"شرحها"، فراجعهما، تستفد، وباللَّه تعالى التوفيق.
(٢) "المحلى" ١/ ١٩٢ - ١٩٥.