الحسن، والْحَسَنِ بن حَيٍّ، وداود، وغيرهم: يخرج، ويدخل وقت صلاة العتمة، بمغيب الحمرة، وهو قول أحمد بن حنبل، وإسحاق، إلا أن أحمد، قال: يستحب في الحضر خاصة دون السفر أن لا يصلي إلا إذا غاب البياض، ليكون على يقين من مغيب الحمرة، فقد تُواريها الجُدْران، وقال أبو حنيفة، وعبد اللَّه بن المبارك، والمُزَني، وأبو ثَوْر: لا يخرج وقت المغرب، ولا يدخل وقت العَتَمَة إلا بمغيب البياض.
قال ابن حزم: قد صح أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- حدّ خروج وقت المغرب، ودخول وقت العتمة بمغيب نور الشفق، والشفق يقع في اللغة على الحمرة، وعلى البياض، فإن ذلك كذلك، فلا يجوز أن يَخُصّ قوله -صلى اللَّه عليه وسلم- بغير نصّ، ولا إجماع، فوجب أنه إذا غاب ما يسمى شفقًا، فقد خرج وقت المغرب، ودخل وقت العتمة، ولم يقل -صلى اللَّه عليه وسلم- قط: حتى يغيب كل ما يسمى شفقًا.
وبرهانٌ قاطعٌ، وهو أنه قد ثبت أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- حدّ وقت العتمة بأن أوله إذا غاب الشفق، وآخره ثلث الليل الأول، ورُوِيَ أيضًا نصف الليل، وقد عَلِمَ كلُّ من له علم بالمطالع، والمغارب، ودَوَرَان الشمسِ: أن البياض لا يغيب، إلا عند ثلث الليل الأول، وهو الذي حدّ -صلى اللَّه عليه وسلم- خروج أكثر الوقت فيه، فصحّ يقينًا أن وقتها داخل قبل ثلث الليل الأول بيقين.
فقد ثبت بالنص أنه داخل قبل مغيب الشفق الذي هو البياض بلا شك، فإن ذلك كذلك، فلا قول أصلًا، إلا أنه الحمرة بيقين، إذ قد بطل كونه البياض (١).
واحتَجَّ من قَلَّدَ أبا حنيفة بأن قال: إذا صلينا عند غروب البياض، فنحن على يقين بإجماع أننا قد صلينا عند الوقت، وإن صلينا قبل ذلك، فلم نصل بيقين إجماع في الوقت.
(١) قال العلامة أحمد شاكر -رَحِمَهُ اللَّهُ- في تعليقه على "المحلّى" ١/ ١٩٣: هذه القطعة من أبدع حُجج ابن حزم وأمتنها، وقد نَقَل الشوكانيّ معناها في "نيل الأوطار" ١/ ٤١١ عن "شرح الترمذيّ" لابن سيّد الناس، وأنا أظنّ أنه أخذها عن ابن حزم، ويكاد يكون لفظهما متّحدًا. انتهى.