للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث / الرقم المسلسل:

وهذا حديث غريبٌ، والاستعاذة من الإعراض مناسبة لهذا المقام، فإن المصلّي قائم بين يدي اللَّه لمناجاته، فيحسن أن يستعيذ به من أن يُعرِض بوجهه عنه. انتهى (١). واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

(المسألة الرابعة): في بيان اختلاف أهل العلم في دعاء الاستفتاح:

قال الإمام النوويّ -رَحِمَهُ اللَّهُ- في "شرحه": وفي حديث أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- هذا دليل للشافعيّ، وأبي حنيفة، وأحمد، والجمهور -رحمهم اللَّه تعالى- أنه يُستَحَبُّ دعاء الافتتاح، وجاءت فيه أحاديث كثيرة في "الصحيح". وقال مالك -رَحِمَهُ اللَّهُ-: لا يُستَحَب دعاء الافتتاح بعد تكبيرة الإحرام، ودليل الجمهور هذه الأحاديث الصحيحة. انتهى (٢).

وفي "شرح المهذب": يُستَحَبّ لكل مصلّ، من إمام، ومأموم، ومنفرد، وامرأة، وصبيّ، ومسافر، ومفترض، ومتنفل، وقاعد، ومضطجع، وغيرهم أن يأتي بدعاء الاستفتاح، وقال أيضًا: أما الاستفتاح فقال باستحبابه جمهور العلماء من الصحابة، والتابعون، فمن بعدهم، ولا يُعرف من خالف فيه إلا مالك، فقال: لا يأتي بدعاء الاستفتاِح، ولا بشيء بين القراءة والتكبير أصلًا، بل يقول: اللَّه أكبر {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (٢)} [الفاتحة: ٢] إلى آخر الفاتحة، واحتُجَّ له بحديث المسيء صلاته، فإنه ليس فيه استفتاح، وقد يُحتَجّ له بحديث أنس -رضي اللَّه عنه-: "كان رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، وأبو بكر، وعمر -رضي اللَّه عنهما- يفتتحون الصلاة بـ {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (٢)} [الفاتحة: ٢] "، مُتّفقٌ عليه.

ودليل الجمهور الأحاديث الصحيحة، ولا جواب له عن واحد منها، والجواب عن حديث المسيء صلاته أن النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- إنما علّمه الفرائض فقط، وليس هذا منها، والجواب عن حديث أنس -رضي اللَّه عنه- أن المراد يفتتحون القراءة، كما في رواية مسلم، ومعناه أنهم يقرأون الفاتحة قبل السورة، وليس المقصود أنه لا يأتي بدعاء الاستفتاح، وقد بَيَّنَه حديث عائشة -رضي اللَّه عنها-: "كان رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يستفتح الصلاة بالتكبير والقراءة بـ {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (٢)} [الفاتحة: ٢] "


(١) "فتح الباري" لابن رجب ٦/ ٣٧٤ - ٣٧٦.
(٢) "شرح النوويّ" ٥/ ٩٦ - ٩٧.