مُتَّفَقٌ عليه. وكيف كان فليس فيه تصريح بنفي دعاء الاستفتاح، ولو صَرَّح بنفيه كانت الأحاديث الصحيحة المتظاهرة بإثباته مقدمةً؛ لأنها زيادة ثقات، ولأنها إثبات، وهو مقدَّم على النفي، واللَّه أعلم.
وأما ما يُسْتَفْتَح به فيستفتح بـ "وجهت وجهي للذي فطر السموات والأرض. . . إلخ"، وبه قال عليّ بن أبي طالب -رضي اللَّه عنه-.
وقال عمر بن الخطاب، وابن مسعود، والأوزاعيّ، والثوريّ، وأبو حنيفة، وأصحابه، وإسحاق، وداود: يستفتح بـ "سبحانك اللهم وبحمدك. . . إلخ" الآتي، ولا يأتي بـ "وجهت وجهي".
وقال أبو يوسف: يَجْمَع بينهما، ويبدأ بأيّهما شاء، وهو قول أبي إسحاق المروزيّ، والقاضي أبي حامد من أصحاب الشافعية.
قال ابن المنذر: أيّ ذلك قال أجزأه، وأنا إلى حديث "وجهت وجهي" أميل.
قال النوويّ: دليلنا أنه لم يثبت عن النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- في الاستفتاح بـ "سبحانك اللهم" شيء، وثبت "وجهت وجهي"، فتعيّن اعتماده، والعمل به. انتهى كلام النوويّ -رَحِمَهُ اللَّهُ- ببعض تصرف (١).
وقال الإمام أبو بكر بن المنذر -رَحِمَهُ اللَّهُ- بعد ذكره أنواعًا من دعاء الاستفتاح ما نصه: قد اختلف أهل العلم في هذا الباب، فكان سفيان الثوري، وأحمد، وإسحاق، وأصحاب الرأي يقولون بالذي رَوَيناه عن عمر، وابن مسعود -رضي اللَّه عنهما-.
وكان الشافعي يقول بحديث عبيد اللَّه بن أبي رافع، عن عليّ -رضي اللَّه عنه-.
وكان أبو ثور يقول: أيّ ذلك قال يجزيه، مثل قوله:"سبحانك اللهم وبحمدك"، ومثل:"وجهت وجهي"، ومثل قوله:"اللَّه أكبر كبيرًا"، وما أشبه ذلك.
فأما مالك بن أنس، فإنه كان لا يرى أن يقال شيء من ذلك، ولا يستعمل منها شيء، إنما يكبر، ويقول:{الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}[الفاتحة: ٢].