للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث / الرقم المسلسل:

(فِي تِلْكَ الْبَقْلَةِ) هي كلّ نبات اخضرّت به الأرض، كما تقدّم، وقوله: (الثُّومِ) بضمّ المثلّثة بدل من "الْبَقْلة" (وَالنَّاسُ جِيَاعٌ) جملة حاليّة من الفاعل، وفيه بيان سبب وقوعهم في أكلها مع خُبث رائحتها (فَأَكَلْنَا مِنْهَا) أي من تلك البقلة (أَكَلًا شَدِيدًا) المراد كثرة أكلهم منها (ثُمَّ رُحْنَا) بضمّ الراء، يقال: راح يروح، كقال يقول رَوَاحًا: إذا سار في وقت الرَّوَاح، وهو الْعَشيّ، أو من الزوال إلى الليل، أفاده في "القاموس" (١). (إِلَى الْمَسْجِدِ) الظاهر أنه المسجد النبويّ (فَوَجَدَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- الرِّيحَ) أي ريح البقلة التي أكلوها (فَقَالَ) -صلى اللَّه عليه وسلم- ("مَنْ أَكَلَ مِنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ الْخَبِيثَةِ) أي المستكرَهَة، والْمُنْتِنَ ريحُهَا، قال النوويّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: سمّاها خبيثةً؛ لقبح رائحتها، قال أهل اللغة: الخبيث في كلام العرب المكروه، من قول، أو فعل، أو مال، أو طعام، أو شراب، أو شخص. انتهى (٢).

وقوله: (شَيْئًا) نكّره ليعمّ القليل والكثير (فَلَا يَقْرَبَنَّا) بتشديد النون كما تقدّم، وهي نون التوكيد مدغمة في نون "نا" الضمير، ووقع في بعض النسخ بتخفيفها، وعليها يكون الفعل غير مؤكّد بالنون (فِي الْمَسْجِدِ") تقدّم أن "أل" هنا للجنس، فيشمل المسجد النبويّ وغيره، ويؤيّده رواية: "في مساجدنا" بالجمع.

قال القاضي عياض -رَحِمَهُ اللَّهُ-: وفي اختصاصه النهي عن دخول المساجد إباحة دخول الأسواق وغيره بها، وذلك لأنه ليس فيها حرمة المساجد، ولا هي محلّ الملائكة، ولأنه إن آذى به أحدًا في سوقه تنحّى عنه إلى غيره، وجالس سواه، ولا يُمكنه ذلك في المسجد؛ لانتظاره الصلاة، وإن خرج فاتته الصلاة. انتهى (٣).

(فَقَالَ النَّاسُ) أي الصحابة الذين سمعوا منه -صلى اللَّه عليه وسلم- كلام الكلام (حُرِّمَتْ حُرِّمَتْ) بالبناء للمفعول، وكُرّر للتوكيد، والضمير للبقلة، والمعنى أنهم لَمّا سمعوا النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- نهى من أكل منها أن يقرب المسجد، ظنّوا أنه يريد تحريمها، ولا سيّما وقد سمّاها الشجرة الخبيثة، وقد قال اللَّه تعالى: {وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ} الآية [الأعراف: ١٥٧].


(١) راجع: "القاموس المحيط" ١/ ٢٢٥.
(٢) "شرح النوويّ" ٥/ ٥٠.
(٣) "إكمال المعلم" ٢/ ٤٩٩.