للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث / الرقم المسلسل:

مسلم" من حديث أبي أيوب في قصة نزول النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- عليه قال: فكان يصنع للنبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- طعامًا، فإذا جيء به إليه -أي بعد أن يأكل النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- منه- سأل عن موضع أصابع النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، فصنع ذلك مرّةً، فقيل له: لم يأكل، وكان الطعام فيه ثُومٌ، فقال: أحرام هو يا رسول اللَّه؟ قال: "لا، ولكن أكرهه". انتهى (١).

قال الجامع عفا اللَّه عنه: ما قاله الحافظ -رَحِمَهُ اللَّهُ- من أن ذلك البعض هو أبو أيوب -رضي اللَّه عنه- هو الظاهر؛ لما ذكره، وقد تعقّبه العينيّ في ذلك، فإن أراد الاعتراض على جزمه بأنه أبو أيوب، فله وجه، وإلا فلا، فتأمّل ما كتبه بالإنصاف (٢)، واللَّه تعالى الهادي إلى سواء السبيل.

(فَلَمَّا رَآهُ) أي رأى النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- ذلك الرجل (كَرِهَ أَكْلَهَا) جملة في محلّ نصب على الحال، أي حال كونه كارهًا أكل ما في تلك القدر؛ لكونه -صلى اللَّه عليه وسلم- ترك أكلها (قَالَ) -صلى اللَّه عليه وسلم- لذلك الرجل ("كُلْ) ثم علّل تركه لها، وأمْرَه بأكلها بقوله: (فَإِنِّي) الفاء فيه للتعليل، أي لأني (أُنَاجِي مَنْ لَا تُنَاجِي") أي أُسارُّ من لا تُسارُّ، وهم الملائكة، قال في "القاموس": وناجاه مناجاةً، ونِجاءً: سارّه، وانتجاه: خصّه بمناجاته، وناجى القومُ: تسارُّوا، كتَنَاجَوْا، قال: ونَجَاه نَجْوًا، ونَجْوَى: سارّه، ونَكَهَهُ، والنَّجْوَى: السِّرُّ، والْمُسَارُّون، اسمٌ، ومصدرٌ. انتهى بتصرّف (٣).

قال القرطبيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: هذا يُشعر بأن هذا الحكم خاصّ به -صلى اللَّه عليه وسلم-؛ إذ هو المخصوص بمناجاة الملك، ولكن قد عُلِّلَ هذا الحكم في أول الحديث بما يقتضي التسوية بينه وبين غيره في هذا الحكم، حيث قال: "فإن الملائكة تتأذَّى مما يتأذَّى منه بنو آدم وقولِهِ: "ولا تؤذينا بريح الثُّوم". انتهى (٤).

وقال في "الفتح": قوله: "كُلْ، فإني أناجي من لا تناجي" أي الملائكة، وفي حديث أبي أيوب زمنه عند ابن خزيمة، وابن حبان من وجه آخر: أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أرسل إليه بطعام من خُضْرة، فيه بَصَلٌ، أو كُرّاثٌ، فلم يَرَ فيه أثر رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فأبى أن يأكل، فقال له: "ما منعك؟ "، قال: لَمْ أَرَ أَثَرَ


(١) "الفتح" ٢/ ٣٩٨.
(٢) "عمدة القاري" ٦/ ٢١٢ - ٢١٣.
(٣) "القاموس المحيط" ٤/ ٣٩٣.
(٤) "المفهم" ٢/ ١٦٧ - ١٦٨.