للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث / الرقم المسلسل:

قال القاضي عياض -رَحِمَهُ اللَّهُ-: وقيل: أصله الدوام على الشيء، فإذا كان هذا أصله، فمديم الطاعة قانت، وكذلك الداعي، والقائم في الصلاة، والمخلص فيها، والساكت فيها، كلهم فاعلون للقنوت.

قال ابن دقيق العيد: وهذا إشارة إلى ما ذكرناه من استعماله بمعنى مشترك، وهذه طريقة المتأخرين من أهل العصر وما قاربه، يقصدون بها دفع الاشتراك والمجاز عن موضوع اللفظ، ولا بأس بها إن لم يَقُم دليل على أن اللفظ حقيقةٌ في معنى مُعَيَّنٍ أو معاني، ويُستعمل حيث لا يقوم دليل على ذلك. انتهى (١).

(فَأُمِرْنَا بِالسُّكُوتِ) بالبناء للمفعول، أي أمرنا اللَّه تعالى على لسان نبيّه -صلى اللَّه عليه وسلم- بأن نسكت عن كلام الناس في الصلاة، فالمراد السكوت عن كلام الناس، لا مطلق السكوت عن الكلام المشروع في الصلاة، كقراءة القرآن، والذكر، والدعاء، فإن الصلاة ليست محلّ سكوت، كما سبق في حديث ابن مسعود -رضي اللَّه عنه-، مرفوعًا: "إن في الصلاة شُغْلًا"، فهي محلّ قراءة، وتسبيح، وتكبير، وتهليل، وتحميد، ودعاء، ونحو ذلك.

وقال في "الفتح": قوله: "فأُمرنا بالسكوت"، أي عن الكلام المتقدِّم ذكره، لا مطلقًا؛ فإن الصلاة ليس فيها حال سكوت حقيقةً.

قال ابن دقيق العيد -رَحِمَهُ اللَّهُ-: ويترجح بما دَلّ عليه لفظ "حتى" التي للغاية، والفاء التي تشعر بتعليل ما سبق عليها لما يأتي بعدها. انتهى (٢).

وقوله: (وَنُهِينَا عَنِ الْكَلَامِ) قال في "الفتح": هذا يقتضي أن كلّ شيء يُسمّى كلامًا فهو منهيّ عنه؛ حملًا للفظ على عمومه، ويَحتمل أن تكون اللام للعهد الراجع إلى قوله: "يكلّم الرجل منا صاحبه بحاجته"، وقوله: "فأمرنا بالسكوت" أي عما كانوا يفعلونه من ذلك. انتهى (٣)، واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو المستعان، وعليه التكلان.


(١) "إحكام الأحكام" ٢/ ٥٢.
(٢) "الفتح" ٣/ ٩٠.
(٣) "الفتح" ٣/ ٩٠.