للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث / الرقم المسلسل:

منهم. انتهى كلام القرطبيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ- (١).

وقال الخطابيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: كان في العرب كَهَنَةٌ يَدَّعُون أنهم يَعرِفون كثيرًا من الأمور، فمنهم مَن يزعُم أن له رَئِيًّا من الجنّ، يُلقي إليه الأخبار، ومنهم مَن يَدَّعي استدراك ذلك بفهم أُعطيه، ومنهم من يُسَمَّى عَرّافًا، وهو الذي يزعم معرفة الأمور بمقدَّمات أسباب، يستدل بها لمعرفة مَن سَرَقَ الشيء الفلانيّ، ومعرفة مَن يُتَّهَم به المرأة، ونحو ذلك، ومنهم من يُسمّي المنجِّم كاهنًا، قال: والحديث يشتمل على النهي عن إتيان هؤلاء كلّهم، والرجوع إلى قولهم، وتصديقهم فيما يدَّعونه. انتهى.

(قَالَ: "فَلَا تَأْتِهِمْ") أي الكُهّان، والنهي للتحريم، قال النوويّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: قال العلماء: إنما نُهِيَ عن إتيان الكُهّان لأنهم قد يتكلمون في مُغَيَّبات قد يُصادف بعضها الإصابة، فيُخاف الفتنة على الإنسان بسبب ذلك، ولأنهم يُلَبِّسُون على الناس كثيرًا من أمر الشرائع.

وقد تظاهرت الأحاديث الصحيحة بالنهي عن إتيان الكُهّان، وتصديقهم فيما يقولون، وتحريم ما يُعْطَون من الْحُلْوان، وهو حرام بإجماع المسلمين، وقد نقل الإجماع في تحريمه جماعة، منهم أبو محمد البغويّ -رحمهم اللَّه تعالى-.

قال البغويّ: اتَّفَقَ أهل العلم على تحريم حُلْوان الكاهن، وهو ما أَخذه المتكهِّن على كَهانته؛ لأن فعل الكِهانة باطل، لا يجوز أخذ الأجرة عليه.

وقال الماورديّ في "الأحكام السلطانية": ويَمْنَعُ المحتَسِب الناس من التكسب بالكهانة، واللهو، ويؤدِّب عليه الآخذ والمعطي.

وقال الخطابيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: حُلْوان الكاهن ما يأخذه المتكهِّن على كِهانته، وهو محرَّم، وفعله باطل، قال: وحُلْوان العرّاف حرام أيضًا، قال: والفرق بين العرّاف والكاهن، أن الكاهن إنما يتعاطى الأخبار عن الكوائن في المستقبل، ويدَّعِي معرفة الأسرار، والعراف يتعاطى معرفة الشيء المسروق، ومكان الضالة، ونحوهما. انتهى (٢).


(١) "المفهم" ٢/ ١٣٩ - ١٤٠.
(٢) "شرح مسلم" ٥/ ٢٣.