للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

والمراد أنه أسلم قريبًا، ولا يعرف أحكام الدين.

(وَقَدْ جَاءَ اللَّهُ بِالإِسْلَامِ) قال السنديّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: عطف على مقدّر، أي كنّا فيها، فجاء اللَّه بالإسلام. انتهى.

قال الجامع عفا اللَّه عنه: لا حاجة إلى هذا التقدير، فإن الكلام مستقيم لا يحتاج إلى تقدير شيء، فتبصّر، واللَّه تعالى أعلم.

وإنما ذكر معاوية -رضي اللَّه عنه- هذا الكلام تمهيدًا للأسئلة التالية.

(وَإِنَّ مِنَّا رِجَالًا يَأْتُونَ الْكُهَّانَ) بضم الكاف، وتشديد الهاء: جمع كاهن، يقال: كَهَنَ له، كمنع، ونصر، وكَرُم كَهَانةً بالفتح، وتكهّن تكهّنًا: قَضَى له بالغيب، فهو كاهن، وجمعه كَهَنَةٌ، وكُهّانٌ، ككافر وكَفَرَة، وكُفّار، وحرفته الكِهانة بالكسر، أفاده في "القاموس" (١).

وقال القرطبيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: "الكُهّان" جمع كاهنٍ، ككاتب وكُتّاب، والكاهن: الذي يتعاطى علم ما غاب عنه، وكانت الْكِهانة في الجاهليّة في كثير من الناس شائعةً فاشيةً، وكان أهل الجاهليّة يترافعون إلى الكهّان في وقائعهم وأحكامهم، ويرجعون إلى أقوالهم، كما فَعَل عبد المطّلب حيث أراد ذبح ابنه عبد اللَّه في نذر كان نذره، فمنعته عشيرته من ذلك، وسَرَى أمرهم حتى ترافعوا إلى كاهن معروف عندهم، فحكم بينهم بأن يَفْدُوه بمائة من الإبل على ترتيب ذُكِر في السيرة، وإنما كان الكاهن يتمكّن من التكهّن بواسطة تابعه من الجنّ، وذلك أن الجنّيّ كان يسترق السمع، فيَخطَف الكلمة من الملائكة، فيُخبر بها وليّه، فيتحدّث بها، ويزيد معها مائة كذبة، كما قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فلما بعث اللَّه رسوله -صلى اللَّه عليه وسلم- أُرسلت الشُّهُب على الجنّ، فلم يتمكّنوا مما كانوا يتمكّنون منه قبل ذلك، فانقطعت الْكِهانة؛ لئلا يجُرّ ذلك إلى تغيير الشرع، ولبس الحقّ بالباطل، لكنها وإن كانت قد انقطعت فقد بقي في الوجود قوم يتشبّهون بأولئك الْكُهّان، فنهى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- عن اتّباعهم؛ لأنهم كَذَبَةٌ مُمَخرِقُون مبطلون ضالّون مضلّون، فيحرُم إتيانهم، والسماع منهم، وقد كثُر هذا النوع في كثير من نساء الأندلس، وكثير من رجال غير الأندلس، فليُحْذَر الأتيان إليهم، والسماع


(١) "القاموس المحيط" ٤/ ٢٦٤.