للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

قال النوويّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: معنى قوله: "إنما التسبيح. . . إلخ": هذا ونحوه، فإن التشهد والدعاء والتسليم من الصلاة، وغير ذلك من الأذكار مشروع فيها، فمعناه: لا يصلح فيها شيء من كلام الناس ومخاطباتهم، وإنما هي التسبيح، وما في معناه من الذكر والدعاء، وأشباههما مما ورد به الشرع. انتهى.

وقال الشوكانيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: قوله: "إنما هو التسبيح والتكبير وقراءة القرآن" هذا الحصر يدلّ بمفهومه على منع التكلم في الصلاة بغير الثلاثة، وقد تمسكت به الطائفة القائلة بمنع الدعاء في الصلاة بغير ألفاظ القرآن من الحنفية، والهادوية.

ويجاب عنهم بأن الأحاديث المثبتة لأدعية، وأذكار مخصوصة في الصلاة، مُخَصِّصة لعموم هذا المفهوم، وبناء العام على الخاص متعين، لا سيما بعدما تقرر أن تحريم الكلام كان بمكة، كما قدمنا، وأكثر الأدعية والأذكار في الصلاة كانت بالمدينة، وقد خصصوا هذا المفهوم بالتشهد، فما وجه امتناعهم من التخصيص بغيره؟ وهذا واضح، لا يلتبس على من له أدنى نظر في العلم، ولكن المتعصِّب أعمى، وكم من حديث صحيح، وسنة صريحة قد نصبوا هذا المفهوم العام في مقابلتها، وجعلوه معارضًا لها، وردّوها به، وغَفَلُوا عن بطلان معارضة العام بالخاص، وعن رجحان المنطوق على المفهوم، إن سَلِمَ التعارض. انتهى كلام الشوكانيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-. وهو تحقيقٌ نفيسٌ، واللَّه تعالى أعلم.

قال معاوية بن الحكم -رَحِمَهُ اللَّهُ- (قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي حَدِيثُ عَهْدٍ بِجَاهِلِيَّةٍ) ولفظ أبي داود: "إنا قوم حديثو عهد بجاهليّة"، فقوله: "حديث عهد" خبر "إنّ"، ذكر في "القاموس" من معاني "العهد": المعرفة، والوقت، فيكون المعنى هنا: قريب الوقت من الأمور الجاهليّة، أو قريب المعرفة بها (١).

وقال في "المصباح": هو قريب العهد بكذا: أي قريب العلم والحال. انتهى (٢).

و"الجاهليّة": قال العلماء: هي ما قبل ورود الشرع، سُمُّوا جاهليّةً؛ لكثرة جهالاتهم، وفُحشهم (٣).


(١) "القاموس المحيط" ١/ ٣٢٠.
(٢) "المصباح المنير" ١/ ٤٣٥.
(٣) "شرح النوويّ" ٥/ ٢٢.