للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وفي بعض النسخ: "يُصمتوني" بحذف إحدى النونين، والصحيح أنها نون الرفع، كما هو معروف في محلّه.

وقوله: (لَكِنِّي سَكَتُّ) استدراك على محذوف جوابٍ لـ "لَمّا"، أي فلَمّا رأيتهم يصمتونني أردت أن أُخاصمهم، لكني سكتّ عن ذلك.

وقال الطيبيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: قوله: "لكني سكت" هكذا في الأصول على ما ذُكر في المتن، ولا بدّ من تقدير جواب "لَمّا"، ومستدرك "لكن"؛ ليستقيم المعنى، فالتقدير: فلما رأيتهم يصمتونني غَضِبتُ وتغيّرتُ، لكني سكت، ولم أعمل بمقتضى الغضب. انتهى (١).

وقال الشوكانيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: قال المنذريّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: يريد لم أتكلّم، لكنّي سكتُ، وورود "لكن" هنا مشكلٌ؛ لأنه لا بدّ أن يتقدّمها كلام مناقضٌ لما بعدها، نحو ما هذا ساكتًا، لكنه متحرّك، أو ضدّ له، نحو ما هو أبيض، لكنه أسود.

ويَحْتَمل أن يكون التقدير هنا: فلما رأيتهم يصمّتوني لم أكلّمهم، لكني سكتُّ، فيكون الاستدراك لرفع ما تُوُهّم ثبوته، مثلُ ما زيدٌ شُجاعًا، لكنه كريمٌ؛ لأن الشجاعة والكرم لا يكادان يفترقان، فالاستدراك من توهّم نفي كرمه.

ويَحْتَمِلُ أن تكون "لكن" هنا للتوكيد، نحو لو جاءني أكرمته، لكنه لم يجئ، فأكّدت "لكن" ما أفادته "لو" من الامتناع، وكذا في الحديث أكّدت "لكن" ما أفاده ضربهم من ترك الكلام. انتهى (٢).

(فَلَمَّا صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-) أي انتهى من صلاته، قال الطيبيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: جواب "لَمّا" قوله: "قال: إن هذه الصلاة. . . إلخ"، وقوله: "فبأبي هو وأمّي" إلى قوله: "قال" معترضٌ بين "لَمّا" وجوابها. انتهى كلام الطيبيّ، وتبعه ابن حجر الهيتميّ، وقال: واعتُرض بينهما بما فيه غاية الالتئام والمناسبة لهما. انتهى.

وقال ميرك: الأولى أن يقال: جواب قوله: "فلَمّا صلّى. . . إلخ"


(١) "الكاشف عن حقائق السنن" ٣/ ١٠٦٦.
(٢) "نيل الأوطار" ٢/ ٣٧١.