(المسألة السادسة): في اختلاف أهل العلم في الصلاة في الثوب الواحد:
ذهب الجمهور من الصحابة والتابعين إلى جواز الصلاة في الثوب الواحد.
وممن رأى ذلك من أصحاب النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: عمر بن الخطاب، وأُبيّ بن كعب، وجابر بن عبد اللَّه، وعبد اللَّه بن عبّاس، وأنس بن مالك، وخالد بن الوليد، وأبو هريرة -رضي اللَّه عنهم-، وروي ذلك عن أبي سعيد الخدريّ -رضي اللَّه عنه-.
وبه قال جماعة من التابعين، وهو قول مالك، ومن تبعه من أهل المدينة، والأوزاعيّ، ومن قال بمثل قوله من أهل الشام، وسفيان الثوريّ، والشافعيّ، وأبي ثور، وأصحاب الحديث، وأهل الرأي من الكوفة.
قال ابن المنذر -رَحِمَهُ اللَّهُ-: وقد روينا عن ابن مسعود -رضي اللَّه عنه- أنه قال: يصلي في ثوبين، وقال نافع: رآني ابن عمر أصلي في ثوب واحد، وقال: ألم أكسك ثوبين؟ فقلت: بلى، قال: أرأيت لو أرسلتك إلى فلان أكنت ذاهبًا في هذا الثوب؟ فقلت: لا، قال: اللَّه أحقّ أن تَزَيَّنَ له، أو من تَزَيَّنت له.
وثبت عنه أنه قال لنافع: إذا كان واسعًا تتوشّح به، وإذا كان قصيرًا فاتّزر به.
ثم أخرج ابن المنذر أثريّ ابن عمر بسنده، ثم قال: وهذا من قول ابن عمر يدلّ على أنه استحبّ الصلاة في ثوبين، لا أنه رأى ذلك واجبًا، لا يجزي عنه، ويُشبه أن يكون مراد ابن مسعود هذا المعنى؛ استحبابًا لأن يصلي في ثوبين، ولو أوجب ابن مسعود الصلاة في ثوبين لكانت السنّة مستغنى بها. انتهى كلام ابن المنذر -رَحِمَهُ اللَّهُ- (١).
وأخرج عبد الرزّاق في "مصنّفه" عن الحسن، قال: اختَلَف أُبَيّ بن كعب وابن مسعود في الرجل يصلي في الثوب الواحد، فقال أُبَيّ: يصلي في الثوب الواحد، وقال ابن مسعود في ثوبين، فبلغ ذلك عمر، فأرسل إليهما، فقال: اختلفتما في أمر، ثم تفرّقتما، فلم يدر الناس بأيّ ذلك يأخذون، لو أتيتما لوجدتما عندي علمًا، القول ما قال أُبَيّ، ولم يأل ابن مسعود.