للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

الآن يُلهمنيه اللَّه"، متفق عليه، وروي عن مالك: لا أحصي نعمتك، وإحسانك عليّ، والثناء بها عليك، وإن اجتهدت في ذلك، والأول أولى؛ لما ذكرناه، ولما جاء في نصّ الحديث نفسه: "أنت كما أثنيت على نفسك"، ومعنى ذلك اعتراف بالعجز عن أداءِ وفهم ما يريده اللَّه من الثناء على نفسه، وبيان صمديّته، وقدّوسيّته، وعظمته، وكبريائه، وجبروته ما لا يُنتهى إلى عدّه، ولا يُوصَل إلى حدّه، ولا يُحصّله عقل، ولا يُحيط به فكر، وعند الانتهاء إلى هذا المقام انتهت معرفة الأنام. انتهى (١).

(ثَنَاءً عَلَيْكَ) أي فردًا من ثنائك على شيء من نعمائك، وهذا بيان لكمال عجز البشر عن أداء حقّ الربّ عزّ وجلّ.

(أَنْتَ كَمَا أَثْنَيْتَ) "أنت" مبتدأ، و"كما أثنيت" خبره، والكاف بمعنى "على وقوله: (عَلَى نَفْسِكَ") متعلّق بـ "أثنيتَ"، أي كائنٌ على الأوصاف التي أثنيت بها على نفسك، والجملة في موضع التعليل لعدم إحصاء الثناء عليه.

وقيل: "أنت" تأكيد للضمير المجرور في "عليك"، أي لا أُحصي ثناءً عليك مثل ثنائك على نفسك.

وقال القاضي عياض -رَحِمَهُ اللَّهُ-: قوله: "أنت كما أثنيت على نفسك" اعتراف بالعجز عن تفصيل الثناء، وبأنه كما قال لا يُحصيه، ورَدَّ ثناءه إلى الجملة دون تفصيل، وإحصاء، وتعيين، فوكل ذلك إلى المحيط بكلّ شيء جملةً وتفصيلًا، وكما أنه تعالى لا نهاية لسلطانه، وعظمته، ومجده، وعزّته، وجليل أوصافه، فكذلك لا نهاية للثناء عليه؛ إذ الثناء تابع للمُثْنَى عليه، فكلّ ثناء أُثني عليه به وإن كثُر وطال، وبولغ فيه، فقدره تعالى أعظم، وسلطانه أعزّ، وأوصافه أكبر وأكثر، وفضله وإحسانه أوسع وأسبغ. انتهى (٢).

وقال السنديّ في "حاشية النسائيّ": معنى قوله: "أنت كما أثنيت على نفسك" أي أنت الذي أثنيت على ذاتك ثناءً يليق بك، فمن يقدر على أداء حقّ ثنائك؟ فالكاف زائدة، والخطاب في عائد الموصول بملاحظة المعنى، نحو:

أَنَا الَّذِي سَمَّتْنِي أُمِّي حَيْدَرَهْ


(١) "المفهم" ٢/ ٩٠.
(٢) "إكمال العلم" ٢/ ٤٠١ - ٤٠٢.