للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وَمَا أَتَى مُخَالِفًا لِمَا مَضَى … فَبَابُهُ النَّقْلُ كَـ "سُخْطٍ" وَ"رِضَا"

(وَبِمُعَافَاتِكَ) أي وأعتصم بتجاوزك فضلًا منك ومِنّة، و"المعافاة": مصدر عافاه، من العفو، وهو التجاوز عن الذنب، وترك العقاب عليه، وأصله المحو والطمس، يقال: عفا يَعْفُو عَفْوًا، فهو عَافٍ، وعَفُوٌّ، وقال ابن الأنباريّ في قوله تعالى: {عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ} الآية [التوبة: ٤٣]: محا اللَّه عنك، مأخوذ من قولهم: عَفَت الرياحُ الآثارَ تعفو عَفْوًا، لفظ اللازم والمتعدّي سواء، قاله في "اللسان" (١).

(مِنْ عُقُوبَتِكَ) أي من تعذيبك إياي بسبب المعاصي التي اقترفتها.

قال القاضي عياض -رَحِمَهُ اللَّهُ-: رضا اللَّه، وسخطه، ومعافاته، وعقوبته من صفات كماله، فاستعاذ من المكروه منها إلى المحبوب، ومن الشرّ إلى الخير. انتهى.

(وَأَعُوذُ بِكَ) أي وأعتصم بك (مِنْكَ) أي مما يؤدّي إلى عذابك من المخالفات، وقال السنديّ -رَحِمَهُ اللَّهُ- ما حاصله: أي أعوذ بصفات جمالك عن صفات جلالك، فهذا إجمال بعد شيء من التفصيل، وتوسّل بجميع صفات الجمال عن صفات الجلال، وإلا فالتعوّذ من الذات مع قطع النظر عن شيء من الصفات لا يَظْهَر. انتهى (٢).

وقال الخطابيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: في هذا معنى لطيف، وذلك أنه استعاذ باللَّه، وسأله أن يُجيره برضاه من سخطه، وبمعافاته من عقوبته، والرضا والسخط ضدّان متقابلان، وكذلك المعافاة والمؤاخذة بالعقوبة، فلما صار إلى ذكر ما لا ضدّ له، وهو اللَّه عزَّ وجلّ استعاذ به منه لا غير، ومعنى ذلك الاستغفار من التقصير في بلوغ الواجب من حقّ عبادته، والثناء عليه. انتهى (٣).

(لَا أُحْصِي) بضم الهمزة، من الإحصاء، أي لا أُطيقه، ولا أَبلُغه، ولا أنتهي غايته، ولا أحيط بمعرفته، كما قال -صلى اللَّه عليه وسلم- مخبرًا عن حاله في المقام المحمود حين يخِرّ تحت العرش ساجدًا، قال: "فأحمده بمحامد لا أقدر عليه


(١) "لسان العرب" ١٥/ ٧٢.
(٢) "إكمال العلم" ٢/ ٤٠١.
(٣) راجع: "إكمال المعلم" ٢/ ٤٠١.