للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث / الرقم المسلسل:

نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ (١)} [النصر: ١]؟ فقال بعضهم: أُمِرنا أن نحمد اللَّه ونستغفره، إذا نُصِرنا، وفُتِح علينا، وسكت بعضهم، فلم يقل شيئًا، فقال لي: أكذلك تقول يا ابن عباس؟ فقلت: لا، فقال: ما تقول؟ فقلت: هو أجل رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أعلمه له، قال: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ (١)}، فذلك علامة أجلك، {فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا (٣)} [النصر: ٣]، فقال عمر بن الخطاب: لا أعلم منها إلا ما تقول. تفرّد به البخاريّ.

وأخرج ابن جرير بسنده عن ابن عباس -رضي اللَّه عنهما- قال: بينما رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- في المدينة، إذ قال: "اللَّه أكبر اللَّه أكبر جاء نصر اللَّه والفتح، جاء أهل اليمن"، قيل: يا رسول اللَّه، وما أهل اليمن؟ قال: "قوم رقيقة قلوبهم، لَيِّنةٌ طباعهم، الإيمان يمان، والفقه يمان، والحكمة يمانية" (١).

وأخرج أحمد بسند صحيح، عن أبي سعيد الخدريّ أنه قال: لما نزلت هذه السورة {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ (١)} قرأها رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- حتى ختمها، فقال: "الناس حَيْزٌ (٢) وأنا وأصحابي حَيْزٌ -وقال- لا هجرة بعد الفتح، ولكن جهاد ونية"، فقال له مروان: كَذَبتَ، وعنده رافع بن خَدِيج، وزيد بن ثابت قاعدان معه على السرير، فقال أبو سعيد: لو شاء هذان لحدثاك، ولكن هذا يخاف أن تنزعه عن عِرَافة قومه، وهذا يخشى أن تنزعه عن الصدقة، فرفع مروان عليه الدِّرّة ليضربه، فلما رأيا ذلك قالا: صدق. تفرّد به أحمد.

قال ابن كثير -رَحِمَهُ اللَّهُ-: فالذي فَسَّر به بعض الصحابة من جلساء عمر -رضي اللَّه عنهم- من أنه قد أُمِرنا إذا فتح اللَّه علينا المدائن والحصون، أن نحمد اللَّه ونشكره ونسبحه، يعني نُصَلِّي له ونستغفره، معنى مَلِيحٌ صحيحٌ، وقد ثبت له شاهد من صلاة النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- يوم فتح مكة وقت الضحى ثماني ركعات، فقال قائلون: هي صلاة الضحى، وأجيبوا بأنه لم يكن يواظب عليها، فكيف صلاها ذلك اليوم؟ وقد كان مسافرًا لم ينو الإقامة بمكة، ولهذا أقام فيها إلى آخر شهر رمضان قريبًا من تسعة عشر يومًا يقصر الصلاة، ويفطر هو وجميع الجيش، وكانوا


(١) صححه الشيخ الألبانيّ بشواهده. "الصحيحة" ٧/ ١١٠٧.
(٢) أي جماعة وفئة.