للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث / الرقم المسلسل:

نحوًا من عشرة آلاف، قال هؤلاء: وإنما كانت صلاة الفتح، قالوا: فيستحب لأمير الجيش إذا فتح بلدًا أن يصلي فيه أول ما يدخله ثماني ركعات، وهكذا فَعَل سعد بن أبي وقاص يوم فتح المدائن، ثم قال بعضهم: يصليها كلها بتسليمة واحدة، والصحيح أنه يسلم من كل ركعتين، كما ورد في "سنن أبي داود": أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- كان يسلم يوم الفتح من كل ركعتين.

وأما ما فَسَّر به ابن عباس وعمر من أن هذه السورة نُعِيَ فيها إلى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- روحه الكريمة، وأُعْلِم: أنك إذا فتحت مكة، وهي قريتك التي أخرجتك، ودخل الناس في دين اللَّه أفواجًا، فقد فَرَغ شغلنا بك في الدنيا، فتهيأ للقدوم علينا، والوفود إلينا، فالآخرة خير لك من الدنيا، ولسوف يعطيك ربك فترضى، ولهذا قال: {فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا (٣)}.

أخرج النسائيّ بسند حسن عن ابن عباس، قال: لما نزلت {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ (١)} [النصر: ١] إلى آخر السورة، قال: نعيت لرسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- نفسه حين أنزلت، فأخذ في أشدّ ما كان اجتهادًا في أمر الآخرة، وقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- بعد ذلك: "جاء الفتح، وجاء نصر اللَّه، وجاء أهل اليمن"، فقال رجل: يا رسول اللَّه، وما أهل اليمن؟ قال: "قوم رقيقة قلوبهم، ليّنة قلوبهم، الإيمان يمان، والحكمة يمانية، والفقه يمان".

وقال ابن جرير الطبريّ: حدّثنا أبو السائب، حدّثنا حفص، حدّثنا عاصم، عن الشعبيّ، عن أم سلمة -رضي اللَّه عنها- قالت: كان رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- في آخر أمره لا يقوم، ولا يقعد، ولا يذهب، ولا يجيء، إلا قال: سبحان اللَّه وبحمده، فقلت: يا رسول اللَّه، رأيتك تكثر من سبحان اللَّه وبحمده، لا تذهب، ولا تجيء، ولا تقوم، ولا تقعد، إلا قلت: سبحان اللَّه وبحمده، قال: إني أُمرت بها، فقال: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ (١)} إلى آخر السورة (١).

قال ابن كثير -رَحِمَهُ اللَّهُ-: والمراد بالفتح ها هنا فتح مكة قولًا واحدًا، فإن أحياء العرب كانت تَتَلَوَّمُ بإسلامها فتح مكة، يقولون: إن ظهر على قومه فهو نبيّ، فلما فتح اللَّه عليه مكة، دخلوا في دين اللَّه أفواجًا، فلم تمض سنتان حتى


(١) صححه الشيخ الألبانيّ في "الصحيحة" ٧/ ٤٤٧.