{وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ}[النصر: ٢] هو حال من "الناس" على أن "رأيت" بمعنى أبصرتَ، أو عَرَفْتَ، أو مفعول ثان على أنه بمعنى "عَلِمتَ"{فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا} هو حال من فاعل {يَدْخُلُونَ} وجواب {إِذَا}، {فَسَبِّحْ}، أي إذا جاء نصر اللَّه إياك على من ناوأك، وفَتْحُ البلاد، ورأيت الناس يدخلون في ملة الإسلام جماعات كثيرة، بعدما كانوا يدخلون فيه واحدًا واحدًا، واثنين اثنين {فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ} فقل: سبحان اللَّه حامدًا له، أو فَصَلِّ له، {وَاسْتَغْفِرْهُ} أي اطلب مغفرته لك؛ تواضعًا وهضمًا للنفس، أو دُمْ على الاستغفار، قاله النسفيّ.
وقال القرطبيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: [فإن قيل]: فماذا يُغْفَر للنبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- حتى يؤمر بالاستغفار؟.
[قيل له]: كان النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول في دعائه:"رب اغفر لي خطيئتي، وجهلي، وإسرافي في أمري كله، وما أنت أعلم به مني، اللهم اغفر لي خطئي، وعمدي، وجهلي، وهَزْلي، وكلُّ ذلك عندي، اللهم اغفر لي ما قدَّمت، وما أخرت، وما أعلنت، وما أسررت، أنت المقدم وأنت المؤخر، إنك على كل شيء قدير".
فكان -صلى اللَّه عليه وسلم- يستقصر نفسه؛ لعظم ما أنعم اللَّه به عليه، ويرى قصوره عن القيام بحقّ ذلك ذنوبًا.
ويَحْتَمِل أن يكون بمعنى: كن متعلقًا به سائلًا راغبًا متضرعًا على رؤية التقصير في أداء الحقوق؛ لئلا ينقطع إلى رؤية الأعمال.
وقيل: الاستغفار تعبّد يجب إتيانه، لا للمغفرة، بل تعبدًا، وقيل: ذلك تنبيهٌ لأمته؛ لكيلا يأمنوا ويتركوا الاستغفار، وقيل:{وَاسْتَغْفِرْهُ} أي استغفر لأمتك.
{إِنَّهُ كَانَ} ولم يزل {تَوَّابًا} التوّاب الكثير القبول التوبة، وفي صفة العباد الكثير الفعل للتوبة، قاله النسفيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ- (١).
وقال القرطبيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: {إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا}[النصر: ٣] أي على المسبِّحين