للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث / الرقم المسلسل:

مُصّ جلب العطش، فشربوا الماء، وتقوَّوا بذلك (قَالَ) الظاهر أن الضمير لأبي هريرة - رضي الله عنه - (فَدَعَا عَلَيْهَا) أي دعا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على ما أتوا به من بقيّة الأزواد (حَتَّى مَلَأَ الْقَوْمُ أَزْوِدَتَهُمْ) غاية لمحذوف، أي فأمرهم بالأخذ منها، فأخذوا حتى ملؤوا أزودتهم.

قال القرطبيّ رحمه الله تعالى: كذا الرواية - "أزودتهم" - وصوابه مزاودهم، فإنها هي التي تُمْلأُ بالأزودة، وهي جمع زاد، فسمّي المزاد أزودةً باسمها؛ لأنَّها تُجعل فيها على عادتهم في تسميتهم الشيء باسم الشيء إذا جاوره، أو كان منه بسبب، وقد عبّر عنها في الرواية الأخرى بالأوعية. انتهى (١).

وقال القاضي عياض رحمه الله تعالى: قوله: "أزودتهم" كذا الرواية فيه في جميع أصول شيوخنا، و"الأزودة" غير الأوعية، كما قال في الحديث الآخر: "أوعيتهم"، ولعلّه "مَزَاودهم"، أو سمّى الأوعية بما فيها، كما سُمِّيت الأسقية "رَوَايَا" بحامليها، وإنما الرَّوَايَا الإبلُ التي تحملها، وسُمّيت النساء ظعائن باسم الهودج التي حُمِلت فيها. انتهى (٢).

وقال أبو عمرو بن الصلاح رحمه الله تعالى: "الأَزْوِدَة: جمع زاد، وهي لا تُمْلأُ، إنما تُمْلأُ بها أوعيتُهَا، قال: ووجهه عندي أن يكون المراد حتى ملأ القوم أوعية أزودتهم، فحُذف المضاف، وأقيم المضاف إليه مقامه، كما في قوله تعالى: {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ} [يوسف: ٨٢]، أي: أهل القرية، وبلغنا عن ابن جني أن في القرآن العظيم زُهاء ألف موضع فيه حذفُ المضاف، وإقامة المضاف إليه، أو يكون ذلك من قبيل المقلوب الذي من أمثلته قول الشاعر [من الكامل]:

كَانَتْ فَرِيضَةُ مَا تَقُولُ كَمَا … كَانَ الزِّنَاءُ فَرِيضَةَ الرَّجْمِ

وليس هذا مخصوصًا بضرورة الشعر، كما زعم ابن قتيبة، بل من عادات العرب قلبهم الكلام عند اتّضاح المعنى توسّعًا في فُنون المخاطبات، ومما ذكروا من أمثلته قوله تعالى: {وَقَدْ بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ} [آل عمران: ٤٠]، أي: بلغت الكبر.


(١) "المفهم ١١/ ١٩٨.
(٢) "إكمال المعلم" ١/ ٢٢٩ - ٢٣٠.