للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث / الرقم المسلسل:

ولم يَرُدُّهُ؛ لأن الهاء خفيَّة، فلم يُعتدّ بها، فكأنّ الدال قد وليَهَا الألف والواو، وحَكَى ثعلبٌ التثليث قبل هاء الغائب، وغُلِّط في جواز الفتح، وأما الكسر فالصحيح أنه لُغيّةٌ، سَمِعَ الأخفشُ مُدِّه، وغُطِّه، وحكى الكوفيّون التثليث قبل كلّ منهما.

وإذا اتْصل بآخر الفعل ساكنٌ، فأكثرهم يكسره، كرُدّ القوم بالكسر؛ لأنَّها حركة لالتقاء الساكنين، وبنو أسد تفتحه؛ تخفيفًا، وحَكَى ابن جني ضمَّهُ؛ إتباعًا، وقد رُوي بهنّ قول جرير [من الوافر]:

فَغُضُّ الطَّرْفَ إِنَّكَ مِنْ نُمَيرٍ … فَلَا كَعْبًا بَلَغْتَ وَلَا كِلَابَا

نعم الضمّ قليلٌ، ولذا أنكره في "التسهيل".

وإن لم يتّصل الفعل بشيء من ذلك، ففيه ثلاث لغات: الفتح؛ للخفّة مطلقًا، أي سواء كان مضموم الفاء، كرُدُّ، أو مكسورها، كفِرَّ، أو مفتوحها، كعَضَّ، وهو لغة أسد وغيرهم، والكسر مطلقًا، على أصل التخلّص من التقاء الساكنين، وهو لغة كعب، والإتباع لحركة الفاء، كرُدُّ بالضمّ، وفِرِّ بالكسر، وعَضَّ بالفتح، وهذا أكثر في كلامهم. ذكره الخضريّ في "حاشيته" (١).

وقد نظم بعضهم هذه القاعدة، فقال:

إِنْ جُزِمَ الْفِعْلُ الَّذِي قَدْ شُدِّدَا … آخِرُهُ كَـ "لَا تَضُرِّ أَحَدَا"

فَاكْسِرْهُ مُطْلَقًا لِقَوْمٍ وَافْتَحَا … لآخَرِينَ ثُمَّ إِنَّ الْفُصَحَا

مِنْ هَؤُلَاءِ حَيْثُ يَلْقَى ساكِنَا … يَأتُونَ بِالْكَسْرِ كَـ "سُرِّ الْحَزَنَا"

ثَالِثَةُ اللُّغَاتِ أَنْ يُتْبَعَ مَا … يَلِي فَإِثْرَ ضَمِّهِ لَهُ اضْمُمَا

وَافْتَحْهُ بَعْدَ فَتْحَةٍ أَوْ أَلِفِ … وَبَعْدَ كَسْرَةٍ لَهُ الْكَسْرُ يَفِي

إِلَّا بِنَحْوِ "مُسُّهُ" وَ"فِرُّهُ" … فَالضَّمُّ عِنْدَهُمْ كَـ "لَا تُمِرُّهُ"

وَنَحْوَ "رُدَّهَا" وَ"حُبَّهَا" افْتَحَا … لِصِلَةٍ وَخِفَّةٍ قَدْ وَضَحَا

وَنَحْوَ "غُضِّ الطَّرْفَ" "عَضِّ اللَّحْمَا" … فَاكْسِرْهُ لِلسَّاكِنِ فَابْغِ الْعِلْمَا (٢)

(وَيَشْرَبُونَ عَلَيْهِ الْمَاءَ) يعني: أنهم، وإن لَمْ ينتفعوا بأكله، إلَّا أنه إذا


(١) راجع: "حاشية الخضريّ على شرح ابن عَقِيل على الخلاصة" ٢/ ٣٢٩.
(٢) راجع: "الفتح الودوديّ في حاشية المكوديّ" ٢/ ٨٣٩.