قال: فاعلم ذلك، فإنه حرف مشكلٌ، لَمْ أرهم شرحوه إلَّا ما كان من القاضي عياض، فإنه ذكر فيه أنه يحتمل أنه سَمَّى الأوعية بما فيها، كما سُمّيت الأسقية رَوَايَا بحاملها، وإنما الروايا الإبل التي تحملها، وسُمِّيت النساء ظعائن باسم الْهَوَادج التي حُمِلت فيها، وما قاله غير مسلَّم، وتسمية رَوَايَا من توليد العامّة، والأمر في الظعائن على العكس مما ذكره، فإن صفة الظَّعْن للنساء بالأصالة. انتهى كلام ابن الصلاح (١).
قال الجامع عفا الله تعالى عنه: تعقّب ابن الصلاح على القاضي عياض فيه نظر لا يخفي، فإن ما قاله قد أثبته أهل اللغة، فراجع "القاموس"، و"شرحه"، و"لسان العرب".
والحاصل أن تأويل القاضي ليس ببعيد، فتبصّر، والله تعالى أعلم.
(قَالَ) أبو هريرة - رضي الله عنه - (فَقَالَ) - صلى الله عليه وسلم - (عِنْدَ ذَلِكَ) أي عند معاينته ظهور البركة على ما دعا فيه بالبركة من بقيّة الأزواد ("أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَأَنِّي رَسُولُ الله، لَا يَلْقَى اللهَ بِهِمَا) أي بكلمتي الشهادة المذكورتين (عَبْدُ، غَيْرَ شَاكٍّ فِيهِمَا) بنصب "غير" على الحال (إِلَّا دَخَلَ الْجَنَّةَ").
قال القرطبيّ رحمه الله تعالى: ظاهر هذا الحديث أن من لَقِي الله تعالى، وهو يشهد أن لا إله إلَّا الله دخل الجَنَّة، ولا يدخل النار، وهذا صحيحٌ فيمن لقي الله تعالى بريئًا من الكبائر، فأما من لقي الله تعالى مرتكب كبيرة، ولم يَتُبْ منها، فهو في مشيئة الله تعالى التي دلّ عليها قوله تعالى:{إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ}[النساء: ٤٨]، وقد جاءت الأحاديث الكثيرة الصحيحة المفيدة بكثرتها حصول العلم القطعيّ أن طائفة كثيرة من أهل التوحيد يدخلون النار، ثم يخرجون منها بالشفاعة، أو بالقبضة يَقْبِضُهَا الله تعالى التي وردت في الحديث الصحيح كما سيأتي في أحاديث الشفاعة - إن شاء الله تعالى - أو بما شاء الله تعالى، فدلّ ذلك على أن الحديث المتقدم ليس على ظاهره، فيتعيّن تأويله، ولأهل العلم فيه تأويلان:
[أحدهما]: أن هذا العموم يُراد به الخصوص ممن يعفو الله تعالى عنه من