للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث / الرقم المسلسل:

يبتغي بذلك وجه الله". وهذه الأحاديث كلُّها سردها مسلم رحمه الله تعالى في كتابه.

فَحُكِيَ عن جماعة من السلف رحمهم الله تعالى، منهم ابن المسيب أن هذا كان قبل نزول الفرائض، والأمر والنهي، وقال بعضهم: هي مُجْمَلةٌ تحتاج إلى شرح، ومعناه: من قال الكلمة، وأَدَّى حقَّها وفريضتها، وهذا قول الحسن البصريّ، وقيل: إن ذلك لمن قالها عند الندم والتوبة، ومات على ذلك، وهذا قول البخاريّ.

وهذه التأويلات إنما هي إذا حُمِلت الأحاديث على ظاهرها، وأما إذا نُزِّلت منازلها، فلا يُشكِل تأويلها على ما بينه المحققون.

فنقر أوّلًا أن مذهب أهل السنة بأجمعهم، من السلف الصالح، وأهل الحديث، والفقهاء، والمتكلمين على مذهبهم من الأشعريين، أن أهل الذنوب في مشيئة الله تعالى، وأن كل من مات على الإيمان، وتشهَّد مُخْلِصًا من قلبه بالشهادتين، فإنه يدخل الجنة، فإن كان تائبًا، أو سليمًا من المعاصي، دخل الجنة برحمة ربه، وحُرِّم على النار بالجملة، فإن حَمَلْنا اللفظين الواردين على هذا فيمن هذه صفته كان بَيِّنًا، وهذا معنى تأويلي الحسن والبخاريّ، وإن كان هذا من الْمُخَلِّطين بتضييع ما أوجب الله تعالى عليه، أو بفعل ما حُرِّم عليه، فهو في المشيئة، لا يُقْطَع في أمره بتحريمه على النار، ولا باستحقاقه الجنة لأول وَهْلَة، بل يُقْطَع بأنه لا بُدّ من دخوله الجنة آخرًا، وحاله قبل ذلك في خطر المشيئة، إن شاء الله تعالى عَذَّبه بذنبه، وإن شاء عفا عنه بفضله.

ويُمكِن أن تَسْتَقِلّ الأحاديث بنفسها، وُيجمَع بينها، فيكون المراد باستحقاق الجنة ما قدمناه من إجماع أهل السنة أنه لا بد من دخولها لكل مُوَحِّد، إما مُعَجَّلًا مُعَافًى، وإما مُؤَخَّرًا بعد عقابه.

والمراد بتحريم النار الخلود، خلافًا للخوارج والمعتزلة في المسألتين.

ويجوز في حديث: "من كان آخر كلامه لا إله إلا الله، دخل الجنة"، أن يكون مخصوصًا بمن كان هذا آخر نطقه، وخاتمة لفظه، وإن كان قبل مُخَلِّطًا، فيكون سببًا لرحمة الله تعالى إيّاه، ونجاته رأسًا من النار، وتحريمه عليها، بخلاف من لم يكن ذلك آخر كلامه من الموحدين المخلِّطين.