للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث / الرقم المسلسل:

وكذلك ما وَرَدَ في حديث عبادة - رضي الله عنه - من مثل هذا، ودخوله من أيّ أبواب الجَنَّة شاء يكون مخصوصًا بمن قال ما ذكره النبيُّ - صلى الله عليه وسلم -، وقُرِنَ بالشهادتين من حقيقة الإيمان والتوحيد الذي ورد في حديثه، فيكون له من الأجر ما يُرَجِّح على سيئاته، ويوجب له المغفرة والرحمة، ودخول الجَنَّة لأول وَهْلَةٍ - إن شاء الله تعالى - والله تعالى أعلم بمراد نبيّه - صلى الله عليه وسلم - (١). قال النوويّ رحمه الله تعالى: هذا آخر كلام القاضي عياض رحمه الله تعالى، وهو في نهاية الحسن، وأما ما حكاه عن ابن المسيِّب وغيره فضعيف باطل، وذلك لأن راوي أحد هذه الأحاديث أبو هريرة - رضي الله عنه -، وهو متأخر الإسلام، أسلم عام خيبر، سنة سبع بالاتفاق، وكانت أحكام الشريعة مُسْتَقِرَّةً، وأكثر هذه الواجبات كانت فروضها مستقرة، وكانت الصلاة والصيام والزكاة وغيرها من الإحكام قد تقرر فرضها، وكذا الحج على قول من قال فُرِض سنة خمس أو ست، وهما أرجح من قول من قال سنة تسع. والله تعالى أعلم.

وذكر الشيخ أبو عمرو بن الصلاح رحمه الله تعالى تأويلًا آخر في الظواهر الواردة بدخول الجَنَّة بمجرد الشهادة، فقال: يجوز أن يكون ذلك اقتصارًا من بعض الرواة، نشأ من تقصيره في الحفظ والضبط، لا من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، بدلالة مجيئه تامًّا في رواية غيره، وقد تقدم نحو هذا التأويل، قال: ويجوز أن يكون اختصارًا من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيما خاطب به الكفارَ، عبدةَ الأوثان الذين كان توحيدهم لله تعالى مصحوبًا بسائر ما يتوقف عليه الإسلام، ومستلزمًا له، والكافر إذا كان لا يُقِرّ بالوحدانية، كالوثنيّ والثنويّ، فقال: لا إله إلَّا الله، وحاله الحال التي حكيناها حُكِم بإسلامه، ولا نقول - والحالة هذه -: ما قاله بعض أصحابنا، من أن من قال: لا إله إلَّا الله يحكم بإسلامه، يُجْبَر على قبول سائر الإحكام، فإن حاصله راجع إلى أنه يُجْبَر حينئذ على إتمام الإسلام، ويجعل حكمه حكم المرتد إن لَمْ يفعل، من غير أن يُحْكَم بإسلامه بذلك في نفس الأمر، وفي أحكام الآخرة، ومن وصفناه مسلم في نفس الأمر، وفي أحكام الآخرة. انتهى كلام النوويّ رحمه الله تعالى، وهو


(١) "إكمال المعلم" ١/ ٢٢٢ - ٢٢٧.