أبي الزبير، عن جابر، أنها صلّى وهو مريض جالسًا، وصلّى الناس خلفه جلوسًا، وأخبرنا الثقفي عن يحيى بن سعيد أن أُسيد بن حضير فعل مثل ذلك، قال الشافعيّ: وإنما فعلا مثل ذلك لأنهما لم يعلما بالناسخ، وكذلك ما حُكِي عن غيرهم من الصحابة أنهم أَمَّوْا جالسين، ومن خلفهم جُلوسٌ محمول على أنه لم يبلغهم النسخ، وعلم الخاصة يوجد عند بعض، ويَعْزُب عن بعض. انتهى (١).
قال الجامع عفا اللَّه عنه: دعوى النسخ في هذه المسألة، لا تثبت، وسيأتي إيضاحها، وتحقيق الخلاف فيه في المسألة التالية -إن شاء اللَّه تعالى- واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
(المسألة الخامسة): في اختلاف أهل العلم في حكم الصلاة خلف الإمام القاعد لعلّة:
قال الإمام أبو بكر بن المنذر -رَحِمَهُ اللَّهُ-: اختلفوا في الإمام يصلّي قاعدًا من علّة:
فقالت طائفة: يصلّون قُعودًا؛ استنانًا بأمر النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- أصحابه الذين صلَّوا خلفه قيامًا بالقعود، فممن رُوي عنه أنه استعمل ذلك: جابر بن عبد اللَّه، وأبو هريرة، وأُسَيد بن حُضَير، وقد روينا عن قَيْس بن قَهْد -بفتح القاف، وسكون الهاء- أن إمامًا اشتكى لهم أعلى عهد رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: فكان يؤمّنا جالسًا، ونحن جُلُوس.
قال ابن المنذر: وهذا قول أحمد بن حنبل، وإسحاق بن راهويه، قال أحمد: كذا قال النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، وفعله أربعةٌ من أصحابه: أُسيد بن حُضَير، وقيس بن قَهْد، وجابر، وأبو هريرة -رضي اللَّه عنهم-.
قال ابن المنذر: وكان أحقّ الناس بالاستدلال لفعل النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- بأن ذلك غير منسوخ مَنْ جَعَلَ مَشْيَ ابن عُمر بعد بيعه بأنها أحد الدلائل على أن الافتراق في البيوع افتراق الأبدان؛ لما روى ابن عمر الحديث، قال: ابنُ عمر أعلم بتأويل حديث رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- ممن بعده، فكذلك لما كان فيما