للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث / الرقم المسلسل:

في أوائل "الصلاة" في "باب الصلاة في السُّطُوح"، منفردًا به دون الباقين.

وتَكَلَّف القرطبيّ في "شرح مسلم" الجمع بين الروايتين، فقال: يَحْتَمِل أن يكون البعض صلَّوا قيامًا، والبعض صلَّوا جلُوسًا، فأخبر أنس بالحالتين، وهذا مع ما فيه من التعسف، ليس في شيء من الروايات ما يساعده عليه.

قال الزيلعيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: وقد ظهر لي فيه وجهان:

[أحدهما]: أنهم صلَّوا خلفه قيامًا، فلما شَعَر بهم النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- أمرهم بالجلوس فجلسوا، فرآهم أنس على الحالتين، فأخبر بكل منهما مختصرًا للأخرى، لم يذكر القصة بتمامها، يدلّ عليه حديث عائشة، وحديث جابر المتقدم.

[الثاني]: وهو الأظهر أنهما كانا في وقتين، وإنما أقرّهم عليه السلام في إحدى الواقعتين على قيامهم خلفه؛ لأن تلك الصلاة كانت تطوعًا، والتطوعات يُحْتَمَل فيها ما لا يُحْتَمَل في الفرائض، وقد صُرِّح بذلك في بعض طرُقه، كما أخرجه أبو داود في "سننه" عن أبي سفيان، عن جابر -رضي اللَّه عنه- قال: ركب رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فرسًا بالمدينة، فصَرَعه على جِذْم نَخْلَة (١)، فانفكّت قدمه، فأتيناه نعوده، فوجدناه في مَشْرُبة لعائشة، يُسَبِّح جالسًا، قال: فقمنا خلفه، فسكت عنّا، ثم أتيناه مرةً أخرى نعوده، فصلّى المكتوبة جالسًا فقمنا خلفه، فأشار إلينا فقعدنا، قال: فلما قضى الصلاة قال: "إذا صلّى الإمام جالسًا فصلّوا جلوسًا، وإذا صلى قائمًا فصلُّوا قيامًا، ولا تفعلوا كما تفعل فارس بعظمائها". انتهى.

ورواه ابن حبّان في "صحيحه" كذلك، ثم قال:

وفي هذا الخبر دليل على أن ما في حديث حميد، عن أنس، أنه صلّى بهم قاعدًا، وهم قيام، أنه إنما كانت تلك الصلاة سبحةً، فلما حضرت الفريضة أمرهم بالجلوس فجلسوا، فكان أمرَ فريضة، لا فضيلة. انتهى.

قلت (٢): ومما يدلّ على أن التطوعات يُحْتَمَل فيها ما لا يُحْتَمَل في الفرائض، ما أخرجه الترمذيّ، عن علي بن زيد، عن سعيد بن المسيِّب، عن أنس -رضي اللَّه عنه- قال: قال لي رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إياك والالتفاتَ في الصلاة، فإنه


(١) بكسر، فسكون: أي قِطعة نخلة.
(٢) القائل هو الزيلعيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-.